بعنوان جاذب و دراماتيكي مثل "الحقد على الغرب" استطاع الكتاب أن يلفت انتباهي وأنا أبحث عن كتاب آخر في المكتبة العامة، وانتهى بي المطاف باستعارته وقراءته. بالإضافة إلى العنوان فإن خلفية الكاتب "جان زيغلر" شجعتني أيضاً على قراءة الكتاب. فزيغلر هو المقرر الخاص للأمم المتحدة بالحق في الغذاء بين عام ٢٠٠١ و ٢٠٠٨ وعضو في الهيئة الاستشارية للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. أي أن ذلك يعني أن المؤلف جزء من المنظومة و "شهد شاهد من أهله".
نبرة الكتاب (وخصوصاً في البداية) تبريرية وكأن الكاتب يقنع القارئ/ة أن لدى الجنوب أسباباً مفهومة للحقد على الغرب.
أليس هذا أمراً مفروغاً منه؟
شعرت أن الكتاب ليس موجهاً لي - وهذا بحد ذاته قصور برأيي واستمرار في إشكالية مركزية الإنسان الأبيض والتحيز للمنظور الغربي في مخاطبة جمهوره وتصميم محتوى الأدب والإعلام وغيره من أشكال المحتوى المختلفة لتخاطب الإنسان الأبيض المسكين الذي لا يعرف ماذا يحصل خارج نطاق أوروبا أو أمريكا الشمالية.
بما أني أعيش في منطقة ترزح تحت وطأة إرث استعماري ثقيل - مثلي مثل أي إنسان في القسم الجنوبي من العالم - فإن محتوى الكتاب لم يصدمني، الاستفاضة بأمثلة الظلم والاستغلال في مناطق مختلفة من القسم العالمي الجنوبي جعلتني أكثر حقداً على الإنسان الأبيض واستعماره القديم والحديث.
أمثلة كثيرة تناولها الكتاب كحالات دراسية في فصول مختلفة عن تاريخ العبودية في إفريقيا، واستعباد الفلاحين في شبه القارة الهندية، ثم استهتار فرنسا في خطابها مع الدول الإفريقية، فالحرب على غزة، وصولاً إلى الوضع في نيجيريا والانقلابات العسكرية المدعومة من الغرب ثم فسحة الأمل الصغيرة في بوليفيا ..كلها نماذج أكّدت لي ضرورة تكاتف الشعوب المقهورة مع بعضها ورفضها أي "مساعدة" أو "منح" أو "دعم" مِن مَن أوصلهم إلى هذا الحال من الأساس ويستفيد من استمراريته.
حاول الكاتب أن يورد في الخاتمة توصية (لم أعرف لنا أم لهم) "بإعادة بناء الذاكرة واسترداد الهويات، وبإدراك الحقوق البشرية وبإنشاء الوطن في بلدان الجنوب".
كلام فضفاض متوقع من ابن الأمم المتحدة بتقاريرها السنوية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
رأيت الخطاب تنظيرياً، وهو الذي أورد بنفسه أن الغرب عندما عدل عن احتلال الأراضي في مستعمراته السابقة لدوافع ذاتية وليس استجابة لمطالب الشعوب المستعمَرة فإنه استمر في استعماره إذ غير الأسياد أقنعتهم ليس إلا وأحضروا أبناء الاستعمار المدللين (كما يصفهم فرانز فانون) وهم الخونة من الشعوب المستعمَرة والذين تربطهم مصالح وتعطى لهم امتيازات مقابل التواطئ مع "الغرب" على حد تعبير زيغلر. والغرب الذي لا يزال ينتفع من بؤس مستعمراته السابقة وفقرها واعتمادها عليه من خلال سياسات محكمة مفروضة عليها لتخدم مصالحه ويرعاها له البنك الدولي بشكل حثيث.
في موضع آخر يقول:
"الغرب مستبد من حيث لا يدري هوايته المفضلة ان يعظ العالم كله ويلقنه دروسا في الاخلاق . ذاكرته من حجر تتطابق ومصالحه الاقتصادية . تضلله غطرسته . فلم يعد الغرب منذ زمن طويل يعي النفور الذي يثيره . فهو يمارس دوما لغة مزدوجة فيما يتعلق بنزع السلاح و حقوق الانسان".
شهادة كهذه محاولة جيدة لكن لدي بعض الملاحظات:
- هل الغرب مستبد *من حيث لا يدري* ؟ لأن هذه مصيبة
- "ذاكرته من حجر"؟ إذن المشكلة في الذاكرة الجماعية في الغرب. والحل في هذه الحالة الاعتراف بالمشكلة على غرار تعامل ألمانيا المستفيض مع موضوع النازية وظهور أجيال لاحقة من الألمان يعيشون تحت عقدة الذنب لأنهم لا يريدون للتاريخ أن يتكرر بعد الكثير من المناهج الدراسية، وزيارات المتاحف والبرامج الوثائقية وغيرها.
- اللغة المزدوجة: التي تعرفها جيداً كشعوب الجنوب، ولا يوجد ما هو أنكى من لعب الجاني دور المخلص والمنقذ في المحافل الدولية والأزمات.
لكني لا أزال أعترف أن الكتاب محاولة إيجابية في الطريق الصحيح، وإن كنت أتمنى من أستاذ علم الاجتماع في جامعة جنيف والذي يصف نفسه في الكتاب ب"الوجيه الاشتراكي الديمقراطي الأوروبي" بأن يكون خطابه أكثر حدة في توجيه الغرب ليس لتفهم الحقد وإنما لتحمل مسؤوليته، والاعتذار عن أخطاء الماضي التي لا تزال أجيال متتالية تدفع ثمنها حتى أجل غير منظور، وأن يؤطر المشكلة بشكل أوضح برأس المال وجشع الشركات العابرة للقارات وليس فقط الاكتفاء بذكره تلك الشركات وخبثها بمعرض الحديث.
* تم نشر هذه المراجعة على موقع الجويدز في ٣ آذار ٢٠١٩
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق