الحمية الرقمية: لإغلاق الثقب الأسود الذي يبتلع الوقت والطاقة

 هذه المرة الثانية التي أدوّن فيها عن موضوع الحمية الإلكترونية (تدوينة سابقة من 2018). من وقت لآخر أشعر أني بحاجة لها وأتبعها لفترة من الزمن. لكني أطمح أن تصبح عادة متأصلة في نظام حياتي. خصوصاً وأن لدي الأدوات والتقنيات المساعدة بفضل كتاب "العادات الذرية" لجيمس كلير، الذي يقدم خطوات عملية لبناء عادات حميدة والتخلص من العادات السيئة. مثل الكثيرين، أرى الاستخدام الزائد للهواتف الذكية والشاشات من العادات السيئة.

حميتي ببساطة تتلخص بالامتناع عن استخدام الأجهزة الذكية ساعتين بعد الاستيقاظ وساعتين قبل النوم. وآثارها السحرية تظهر في الأيام الأولى. حتى أنها تشبه تجربة من يمتنع عن السكر. لم أجرّب قطع السكر بنفسي لكني سمعت من بعض الأقارب والأصدقاء أنهم يشعرون برغبة أقل في تناول السكر بعد التوقف عن تناوله لأن الجسم يصبح أقل اعتمادًا عليه مع مرور الوقت. تماماً مثل السكر، ومن تجربتي في الحمية الرقمية، عندما تستهلك أقل، تعتاد على نظامك الجديد، وتتناقص الرغبة الملحة باستمرار، ولا تشتهي السكر أو الشاشات بالقدر نفسه.


استراحات رقمية أكثر أهمية مما تظن

هناك العديد من الفوائد التي استشعرت بها، لكن من أبرزها وأكثرها وضوحاً كان زيادة في وقتي. يتكون اليوم من 24 ساعة، لكن هذه الحمية، لسبب ما، تشعرني أني أضيف إلى يومي أكثر من 4 ساعات (حسابياً هم 4 ساعات؛ ساعتين بعد الاستيقاظ وساعتين قبل النوم، لكن الشعور يوحي بأنه أكثر من ذلك). فقد أصبحت قادرة على تثبيت عادات أخرى حميدة وأمور لطالما أردت أن تكون جزءاً من روتيني الصباحي والمسائي، كالالتزام بالأذكار، وورد من القرآن الكريم، وتثبيت صلاة الضحى، وروتين العناية بالبشرة، والتمكن من قراءة كل الكتب التي أستعيرها من المكتبة العامة، وكتابة الرسائل. بدون التشتت بإشعارات الهاتف، واستهلاك محتوى عشوائي في أوقات محورية في يومي، أصبحت أقدر على الانخراط بأنشطة أكثر فائدة.

ليس هذا فحسب، فإن تأجيل الاطلاع على رسائل البريد الإلكتروني وتفقد وسائل التواصل الاجتماعي صباحاً، ساعد كثيراً في تحسين مزاجي لباقي اليوم وقلل من التوتر لأني بتّ أتعرض للإشعارات المحفّزة أو المهام التي تنتظرني بعد أن أكون توازنت قليلاً وقمت بأمور تهمّني وأحبها كالصلاة والذكر والتدوين.

والفصل ليلاً عن الأجهزة الرقمية والشاشات مكّنني من إنهاء يومي بهدوء وسكينة وقضاء وقت نوعي مع العائلة وحسّن من جودة النوم. فالتعرض للضوء الأزرق المنبعث من الهواتف الذكية والحواسيب والتلفاز يمكن أن يعطل إنتاج الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم دورة النوم والاستيقاظ. عندما يتأثر إنتاج الميلاتونين، يصبح من الصعب على الجسم التهيؤ للنوم، مما يؤدي إلى صعوبة في الاستغراق فيه وتأخير الشعور بالنعاس. لذلك، فالابتعاد عن الشاشات ساعتين قبل النوم، واستبدالها بأنشطة مريحة كالقراءة يضمن نوماً أعمق.


التحايل على أجهزتنا الذكية

نعيش في عصر تهيمن فيه الشاشات على حياتنا، لذلك وصلنا إلى مرحلة نحتاج فيها للتحايل على أنفسنا للتخلص من إدماننا على هواتفنا، خصوصاً وأنها مصممة بشكل مقصود لتسبب هذا الإدمان لمستخدميها، بشهادة مطوّري تطبيقات التواصل الاجتماعي كما رأيناهم في الوثائقي "المعضلة الاجتماعية". بما أننا في أمسّ الحاجة لاستعادة السيطرة على حياتنا وفصل أنفسنا عن الأجهزة الرقمية، التالي نصائح عملية مستوحاة من كتاب العادات الذرية لجيمس كلير بتطبيق قوانين كلير الأربعة لتغيير السلوك.

لاكتساب العادات الحميدة ينصح كلير بجعلها واضحة، وجذابة، وسهلة، ومرضية. وللتخلص من العادات السيئة نعكس هذه القوانين بجعلها خفيّة، ومنفّرة، وصعبة، وغير مرضية – وهذا ما سنقوم به للتخلص من التعلق بالشاشات والإدمان الرقمي.

1.     بعيداً عن متناول اليد:

·       إبقاء الهاتف بعيداً عن غرفة النوم ووضعه في غرفة أخرى يساعد على عدم تفقده بعد الاستيقاظ مباشرة أو قبل النوم.

·       اعتماد نقطة لشحن الهواتف عوضاً عن أخذ الشاحن في كل مكان وملازمة الهاتف طوال الوقت.

·       وضعه في مكان غير مرئي خلال ساعات الحمية؛ داخل درج أو خزانة أو حتى في صندوق.

·       استبدال منبّه الهاتف بمنبّه تقليدي لإزالة عذر الحاجة إلى الهاتف للاستيقاظ.

·       تعطيل الإشعارات: هذه خطوة قوية لجعل استخدام الهاتف أقل إغراءً. يوضّح الفيلم الوثائقي "المعضلة الاجتماعية" كيفية تصميم الإشعارات لإبقاء المستخدمين مدمنين من خلال تحفيز إفراز الدوبامين. إيقافها يساعد على إزالة المحفّز وكسر الحلقة الإدمان ويقلل التشتت.

·       حذف تطبيقات التواصل الاجتماعي من الشاشة الرئيسية بحيث يتطلب الوصول إليها مجهودًا مقصودًا.

2.     حماس للبديل

·       التخطيط للوقت الخالي من الأجهزة الرقمية باستبدال التصفح العشوائي بأنشطة ممتعة كالقراءة، أو القيام بتمارين خفيفة، أو التدوين وكتابة المذكرات.

·       البحث عن رفيق في التجربة، أو ما يطلق عليه "شريك المساءلة"، للقيام بالتحدي مع صديق لديه اهتمام مشابه بعدم استخدام الهاتف قبل النوم والحصول على الدعم المتبادل للحفاظ على هذه العادة.

3.     انتصارات يومية صغيرة

·       استخدام متتبع العادات أو التدوين في المفكرة الشخصية لتسجيل الأيام التي نجحت فيها في تجنب الشاشات بعد الاستيقاظ وقبل النوم.

·       الاحتفاء بالإنجاز بمكافأة النفس عند الالتزام بالحمية الرقمية بمزيد من وقت الاسترخاء، أو اقتناء كتاب جديد، أو تناول طعام محبب.


الحمية الرقمية لا تعني التخلص من التكنولوجيا تمامًا، بل تهدف إلى بناء علاقة صحية معها. من خلال إجراء تغييرات صغيرة وواعية، يمكننا استعادة السيطرة على حياتنا، وتحسين النوم والصحة البدنية والنفسية، وإفساح المجال لممارسات أكثر قيمة في الحياة اليومية. وكما يقول أوريسون سويت ماردن: "في البدايات، تشبه العادة خيطًا رفيعاً لا يكاد يُرى، لكن في كل مرة نكرر الفعل فإننا نقوّي هذا الخيط ونضيف واحداً فوق آخر، حتى يصبح لدينا بكرة قوية مرتبطة بنا وبنمط حياتنا فكراً وفعلاً بشكل يصعب التراجع عنه
."

هناك 3 تعليقات:

  1. تدوينه جميله وأنيقه وفكرة مميزة
    ما اود ان اسألك عنه روان: ماذا تمثل لك مواقع التدوين التقليدية هذه، ولماذا ما زلتي مستمرة باستخدامها رغم نجاحك ع مواقع السوشال ميديا الحديثه؟ وهل لديكي مدونات على مواقع تدوين أخرى؟؟

    ردحذف
  2. من الخطوات التي أتبعها لتفادي إستعمال منصات التواصل الإجتماعي مثلا ، فسخ جل التطبيقات من الهاتف و إستعمالها إذا أردت في الحاسوب الخاص غير حاسوب العمل الشيء الذي يجعلني لا أفتحها لأيام و إن صار فالمدة قصيرة

    ردحذف
  3. شكرا لك روان 🩷

    ردحذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...