تصف رضوى عاشور الربيع في كتابها الطنطورية:
" نسمّي العشب في بلادنا "ربيع"، لأن الربيع حين يدور العام ويحلّ موعده، يكسو به التلال والوديان. طبقاتٌ وصنوفٌ وطوائف من اللون الكثيف أو الخشن أو العميق أو الهش أو الناعم أو الحيي الخفيف، وكلها أخضر يجمح بلا قيدٍ عليه ولا يحزنون. تنبت في رحابه زهور البر، تتناثر على هواها في المكان، ولا تملك رغم أحمرها وأصفرها ودرجات البنفسج، إلا أن تبقى منمنمة غارقة في بحره."
"وحدها شجرة اللوز تتسيد ربيع البلد، ملكة بلا منازع. لا أحد يجرؤ من جيرانها الشجر. حتى بحر البلد يغار من شجر اللوز في الربيع، والزبد أيضاً يغار، أين لأبيضه المسكين بقلب قرنفلي يأخذ الناس خلسة إلى القرمزي الصريح؟ ينوّر اللوز، يسرق قلوبنا ثم يزيد، يتملكها بثمره الهش المراوغ، لاذع وسكر. لا ننتظر تخشبه، نمد أيدينا إلى القطوف القريبة. نتسلق الأغصان فنحصل على ما نريد. نأكله عن الشجر أو نحمل زوادة منه في جيوبنا أو نرفع أذيال الثوب ثم نلمّه فيها ونطير إلى البيت."
"تقول أمي: "شباط ما عليه رباط". تقول: "شباط الخبّاط يشبط ويُخبط و ريحه الصيف فيه". وتكون الرياح نشطة والأمواج عالية والبرودة ما زالت براحتها، تقصّ العظم، كأننا في عزّ الشتاء، لكننا نعرف أن آذار على بعد خطوتين من البلد. ثم ينوّر اللوز، كأنه يفتح الطريق ويسمح، يتبعه نوار الشمس وبعدها تُجنّ الأشجار وهي تندفع إلى المنافسة، أزهارها في الأول، ثم بشائر الثمار، فنعرف أن نيسان قد ثبّت قدميه في الأرض، وأن آيار يتبعه ليسوّي القمح في البيادر والفاكهة على الشجر."
يا الله... إحساس رائع أن أقرأ في تدوينتك بعضا مما أبدعت فيه رضوى عاشور بروايتها...وصفها رائع.
ردحذفشكراً جزيلاً على المرور والتعليق :)
حذف