معنى للحياة أو حياة ذات معنى


أجبرت مرغمةً في الأيام القليلة الماضية على المكوث في المنزل، لأني أصبت - كما العشرات وربما المئات من الأشخاص في هذه الوقت من السنة - بالزكام أو بنزلة بردية أو إنفلونزا .. بغض النظر عن المسمى؛ مرض أقعدني جبراً وسحب مني طاقتي البدنية، وصوتي الطبيعي وساعات نومي المتواصلة في الليل.
إلا أن لهذه الإجازة الطارئة حسنات لا يمكن التغاضي عنها. فقد استطعت إنهاء كتابين أحدهما جميل (ألف شمس مشرقة) والآخر تافه (٣٦٦ لأمير تاج السر)، واسترجعت نمط حياة هادئ ورتيب دون ضغط الوقت والمنبه الصباحي للاستيقاظ ومواعيد اللحاق بحافلة العمل أو أجندة الاجتماعات، واستطعت أن أفكر!
ففي خضم حياتنا اليومية وروتين الأيام المتوالية لا يكون لدينا الوقت الكافي لنفكر! تمر أفكار وتلمع أحياناً لكنها تتلاشى عند أول مقاطعة لزميل يلقي السلام أو اتصال هاتفي أو بريد إلكتروني أو إشعار على الهاتف.
ويبقى السؤال الأزلي السيريالي الوجودي الذي لا ينتهي أبداً: هل هذا ما أريد عمله في حياتي؟ هل أنا على الطريق الصحيح؟ هل الاختيارات التي قمت بها حتى الآن تؤمن لي السعادة؟

لطالما كان لدي صوت خبيث يهمس بشكل خافت عندما تبرق تلك الأسئلة سواء في لحظات صفاء أو عند قمة الانشغال والضغط والضجر بأن لا بأس فهذا أو ذاك "مؤقت". كيف مؤقت لا أعلم؟ وكأن في داخلي دوماً جزءاً ينتظر تغيّراً ما. ما هي طبيعة ذلك التغُّير جد لا أعرف. والمشكلة أن الأيام تمشي وتتوالي، والأسبوع يركل الأسبوع الذي قبله وتمضي الأشهر والسنوات وذاك التغير الجذري الغامض المنتظر لا يأتِ بشكل ملموس.

وصلت للمواجهة: التغيير الرديكالي ليس له وجود.

التغير يزحف، فأنا لست نفس الشخص الذي كنته قبل ٥ سنوات، لا بل أقل؛ قبل سنتين. والشهور التي تتعاقب واحداً تلو الآخر هي من صنعت المكونات الجديدة لشخصيتي، ذوقي الموسيقي الحالي، آرائي في المسائل المختلفة وانطباعاتي وفراستي عمن أقابل من الأشخاص. لم يحصل الأمر بين ليلة وضحاها وإنما نتيجة تراكمات لم أكن واعية لها بشكل يومي.

لذلك إن كنا نرغب في تغيير أي شيء في حياتنا لسنا راضيين عنه، أو نريد ادخال أمر نراه ضرورياً ويحقق لنا شيئاً من السعادة علينا أن نبدأ الآن!

شاهدت مؤخراً - نعم في الإجازة المرضية ما غيرها - فيديو صغير عن خطة ال ٣٠ يوماً. يبدو الأمر بسيطاً وفعّالاً ويستحق التجربة بأي حال من الأحوال.


يااااه كم لدي أمور مؤجلة: أريد أن أمارس الرياضة بشكل دوري، وأن أستعيد شيئاً من مهارتي المتواضعة في الخط والرسم، أريد أن أزور العديد من أقاربي من العائلة الممتدة ومن صديقات جدتي الملهمات لأصورهن وأكتب عنهن. هناك العديد من الأفكار للمدونة والمواضيع التي تحتاج لتصوير وتوثيق. هناك أصدقاء أريد أن أستغل أنهم لا يزالون في البلد وأن أقضي معهم وقتاً نوعياً. هناك مشاوير مع أخي حميد وكتب مثيرة للاهتمام تنتظر على رفوف المكتبات، ولغات لتستكشف وتُتَعلّم ... لماذا كل ما يجعل للحياة معنى نؤجله، لماذا أولوياتنا مقلوبة رأساً على عقب؟!

يقول جورج برنانوس: "الفكرة التي لا تؤدي إلى عمل هي ليست شيئاً كثيراً، والعمل الذي لا ينبع من فكرة هو ليس شيئاً البتة."
لذلك أظن أن علينا أن نترجم أفكارنا العزيزة إلى أفعال حتى تصبح ذات معنى وبالتالي يكون لدينا حياة لها قيمة لا نتحسر عليها عندما يتقدم بنا العمر ونحن لا نشعر.



*ملاحظة على الهامش: الصور ملتقطة من ديوان الدوق في وسط البلد. مكان يستحق الزيارة ضعوه على قوائمكم غير المؤجلة :)

هناك تعليق واحد:

  1. أكيد مدونة كهذه تأتي على الوجع!، ومجددا سلامتك يا رب :)
    أجد بأن المرض صعب ولكن أيضا يدخلنا في نمط فكري مختلف تماما ويجعلنا نرى بمنظور و انعكاسات مجردة فعلا نحتاجها...ننسى كم يتراكم علينا العمر وقلة الحيلة والوسيلة و نتذكر من خلالها تلك القوائم المؤجلة.
    هممم أسئلة مماثلة تراودني...حاليا ما توصلت إليه لهذا العام أن الحياة يجب أن تخاض بشجاعة و إقبال و تفاؤل لا يأبه لما يفرضه علينا المجتمع والجزء من العادات والتقاليد "إلي خربت بيتنا"...خوض الحياة بقلب شجاع يجعل الحياة معطائة بشكل رائع، نعم....هذا ما تعلمته حتى الآن :)

    ملاحظة: الصور رائعة وحالمة كالعادة...خاصة صورة غرفة الجلوس فعلا كأنها من حلم جميل :)

    ردحذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...