"كوكب من البشر" فيلم آخر
مثير للجدل للمخرج والمنتج الأمريكي مايكل مور نشره على قناته في يوتيوب مجاناً
ولمدة شهر واحد في 21 نيسان الماضي بالتزامن مع الذكرى الخمسين لما يطلق عليه
"يوم الأرض". أثار الفيلم الذي
كتبه وأخرجه الناشط البيئي جيف غيبز وأنتجه مايكل مور حفيظة العديد من أعلام
ونشطاء البيئة. فهو يكسر أصناماً تربعت على عرش المشهد البيئي لتعلب دور من ينقذ الكوكب
في الوقت الذي تسير به في الاتجاه المعاكس تماماً. وحتى كتابة هذه التدوينة، أي بعد حوالي
3 أسابيع من نشر الفيلم؛ حقق ما يقارب ال 8 ملايين مشاهدة مسبباً ردود فعل ترواحت بين السخط والدهشة والانزعاج والتشكيك حول مسألة تزداد أهميتها
يوماً بعد يوم.
موجة غضب عارمة
كما هو متوقع، فإن فيلم وثائقي يطعن في مصداقية شخصيات وشركات بارزة تتصدر المشهد البيئي ويكشف تداخل الحركات البيئية مع رأس المال لن يمر مرور الكرام. فقد أحدث وقعاً مدوياً في أوساط علماء المناخ ومنظمي الحملات البيئية الذين يدعمون حلولاً على غرار الخلايا الضوئية والسيارات الكهربائية والوقود الحيوي ويحصلون على التمويل والدعم. من تلك الشخصيات البارزة آل غور وروبرت كندي الابن وديفيد بلود وبيل ماكبين وغيرهم من تنظيمات أخرى تترأس المشهد.
بالتأكيد الموضوع شائك وأعقد من أن يُقدّم في فيلم وثائقي مدته 100 دقيقة. هناك الكثير من الأطراف التي تربطها علاقات متشابكة، وما سلط فيلم "كوكب من البشر" عليه الضوء كان تداخل النشاط البيئي بالرأسمالية التي آخر همّها البيئة. يسبب الفيلم إنزعاجاً ضرورياً يجب الإحساس به عند تناول المسألة البيئية، بالأخص خاتمته المحزنة التي فيها استعاره لما فعله البشر بجشعهم وعدم اكتراثهم بغيرهم من المخلوقات الذين يشاركونهم هذا الكوكب. مع كل اختلاف الآراء حوله، يستحق الفيلم المشاهدة. يقول عبد الرحمن منيف أن "العالم لم تغيّره إلا الأفكار" والفيلم يقدم أفكاراً محفزة على التفكير والتأمل. من يعلم؟! قد تغير بعض الأفكار الناتجة عن مشاهدة وثائقيات كتلك هذا العالم يوماً ما.
مصدر الصورة |
يقول صانع الفيلم جيف غيبز: "إن فيلم
“كوكب من البشر” مصمَّم لتحفيز النقاش فيما يتجاوز القضية الضيقة لتغيُّر المناخ،
والنظر إلى التأثير البشري الشامل على البيئة، يشمل ذلك قضايا مثل الاكتظاظ
السكاني وأزمة الانقراض المعاصرة والتي شهدت انقراض نحو 40% من الحياة البرية في
السنوات الـ40 الماضية، وما إذا كانت “التكنولوجيا الخضراء” قادرة على حل هذه
المشكلات".
كان هناك اعتقاد سائد أن بدائل الطاقة النظيفة مكلفة،
إلا أننا نرى بشكل متزايد منتجات حديثة يروج لها على نطاق واسع بأنها صديقة للبيئة
واقتصادية وبأسعار معقولة نسبياً وفي متناول شرائح مختلفة من المستهلكين حول
العالم. يفنّد الفيلم إلى أي مدى يمكن اعتبار تلك المنتجات صديقة
للبيئة كالسيارات الكهربائية وخلايا توليد الطاقة الشمسية وغيرها من التكنولوجيات
الخضراء الحديثة، آخذاً بعين الاعتبار ما تحتاجه عمليات استخراج المواد الخام التي
تدخل في تصنيع تلك المنتجات وفعاليتها وحاجتها للوقود الأحفوري للتشغيل. ومن خلال عدة مشاهد متتابعة في الفيلم يصل المشاهد/ة
لانطباع أن المنتج المروج له على أنه صديق للبيئة أكثر شراسة وتدميراً للكوكب من
ما يُفترض أنه بديل له.
لعبة التظاهر
يوثّق صانع الفيلم عادة مشاكسة يقوم بها الناشط البيئي وصانع الفيلم، جيف غيبز، في كل "الفعاليات البيئية" التي يرتادها. حيث يحرص على الذهاب إلى كواليس المهرجات الموسيقية التي تتفاخر بأنها تعتمد في تشغيل آلياتها على 100% طاقة متجددة، ليجد مساحة شكلية من الخلايا الضوئية التي بالكاد تكفي لتشغيل جيتار إلكتروني. وبعد الإلحاح والتقصي، يريه متعهدو الفعاليات في ركن قصيّ محولاً كهربائياً تقليدياً يعمل على الديزل بينما يتقافز شبان وفتيات بملابس الهبيّز على أنغام موسيقى صاخبة. يقدم غيبز تلك الوقائع المتكررة كأعراض مصاحبة لحالة وهم تمرّ بها كثير من الحركات البيئية. قد يكون لدى أعضاء تلك الحركات نيّة حسنة بالتغيير، لكن كثيراً من نشاطها يبقى طافياً على السطح ولا يوغل بالعمق الكافي لإيجاد حلول حقيقية لحل – أو على الأقل للتخفيف من – المشكلة.
يوثّق صانع الفيلم عادة مشاكسة يقوم بها الناشط البيئي وصانع الفيلم، جيف غيبز، في كل "الفعاليات البيئية" التي يرتادها. حيث يحرص على الذهاب إلى كواليس المهرجات الموسيقية التي تتفاخر بأنها تعتمد في تشغيل آلياتها على 100% طاقة متجددة، ليجد مساحة شكلية من الخلايا الضوئية التي بالكاد تكفي لتشغيل جيتار إلكتروني. وبعد الإلحاح والتقصي، يريه متعهدو الفعاليات في ركن قصيّ محولاً كهربائياً تقليدياً يعمل على الديزل بينما يتقافز شبان وفتيات بملابس الهبيّز على أنغام موسيقى صاخبة. يقدم غيبز تلك الوقائع المتكررة كأعراض مصاحبة لحالة وهم تمرّ بها كثير من الحركات البيئية. قد يكون لدى أعضاء تلك الحركات نيّة حسنة بالتغيير، لكن كثيراً من نشاطها يبقى طافياً على السطح ولا يوغل بالعمق الكافي لإيجاد حلول حقيقية لحل – أو على الأقل للتخفيف من – المشكلة.
مصدر الصور |
لكن، وبحسب الفيلم، فإن حسن النية لا يرافق لعبة التظاهر
البيئية دائماً. فهناك شركات كبرى ورجال أعمال وسياسيين ومتنفذين يقودهم رأس المال
من خلال إعفاءات ضريبية وأرباح فاحشة ومنح بالمليارات لمشاريع وصفت في محطات عدة
في الفيلم بأنها "وهمية وشكلية وغير مستدامة". مثال على ذلك كان حفل
إطلاق جنرال موتورز للسيارات الكهربائية. فبعد مؤتمر صحفي مليء بالكلمات الرنانة
والمدراء الفخورين بالجهود البيئية يرافق غيبز مندوبي الشركة ويسألهم عن مصدر
الكهرباء الذي يتم شحن السيارة الكهربائية منه. فيرد أحدهم ببلاهة: من كهرباء
المبنى. يلح غيبز بالسؤال ويسأل عن مصدر كهرباء المبنى ليكشف أنه معتمد على محطات
طاقة تعمل على الفحم.
كما هو متوقع، فإن فيلم وثائقي يطعن في مصداقية شخصيات وشركات بارزة تتصدر المشهد البيئي ويكشف تداخل الحركات البيئية مع رأس المال لن يمر مرور الكرام. فقد أحدث وقعاً مدوياً في أوساط علماء المناخ ومنظمي الحملات البيئية الذين يدعمون حلولاً على غرار الخلايا الضوئية والسيارات الكهربائية والوقود الحيوي ويحصلون على التمويل والدعم. من تلك الشخصيات البارزة آل غور وروبرت كندي الابن وديفيد بلود وبيل ماكبين وغيرهم من تنظيمات أخرى تترأس المشهد.
يرى غيبز
أن جهود النشطاء البيئيين يجب أن تركز على مسائلة وتغيير سلوكيات الاقتصاديات غير
المقيدية ومحاربة الاستهلاكية عوضاً عن التواطؤ معها بتقديم منتجات تكنولوجية
وكأنها الحل. فقد تم تصوير بيل ماكبين بأنه ظاهرياً أحد أبرز مناصري البيئة عالمياً وزعيم
مجموعة حملة 350 org. التي لها فروع حول العالم، لكنه في مرحلة ما روّج للوقود الحيوي –
والذي يتم الحصول عليه من رقائق خشبية يتطلب إنتاجها في كثير من الأحيان القضاء
على غابات وتشويه غطاءات نباتية. بالإضافة إلى التمويل السخي الذي يحصل عليها من
شركات تجارية كبرى سيئة السمعة فيما يتعلق بممارساتها الجائرة غير البيئية.
ينكر بيل ماكبين تلك الادعاءات وعلى حصوله على المال من
كبرى الشركات، ويقول أنه تراجع عن موقفه تجاه الوقود الحيوي، ويضيف أنه
"معتاد على المضايقات والتهديدات من قبل قطاع صناعات الوقود الأحفوري لكنه
متألم من الهجوم من قبل من يحسبون أنفسهم بيئيين".
لم يكن اليمين الأمريكي المصدر الوحيد للغضب والانتقادات،
حتى من اليسار فهناك من يرى أن السردية التي قدمها الفيلم خدمت اليمين أكثر من أي
وقت مضى. ففي سبيل كشفه لتناقضات الحركات البيئية، استخدم مور الكثير من الحجج
التي كان يروج لها اليمينين المنكرين للتغير المناخي في حملاتهم، الأمر الذي قد
يزعزع بعض القناعات ويرتد سلباً على الحركة البيئة ككل. فقد هاجم أبرز أعلام
المشهد البيئي دون أن يمثل شريحة كبيرة من
النشطاء البيئيين الذين لديهم مواقف راسخة ضد الوقود الحيوي والقضاء على الغابات
وإشكاليات تصنيع بعض تكنولوجيات الطاقة البديلة.
هل الحل لمشاكلنا البيئية التوقف عن الإنجاب فعلاً؟
مفارقة لا بد أن تستوقف الكثيرين تم طرحها في الفيلم الذي يتزامن عرضه مجاناً مع أزمة كورونا والحجر المنزلي في كثير من الدول، هي أن هناك رسالة واضحة ذُكرت في منتصف الفيلم تطرح خطورة الانفجار السكاني وتضاعف أعداد البشر بوتيرة لم تسجل من قبل في التاريخ. وكأن أحد الحلول للتخفيف من الضغوط البيئية التخلص من أعداد كبيرة من الناس. ما يتم تقديمه عادة في نفس السياق الطرح القائل أن أفضل ما يمكنك أن تفعله للبيئة هو أن تمتنع عن الإنجاب. لكن من المعني بهذا الطرح؟
مفارقة لا بد أن تستوقف الكثيرين تم طرحها في الفيلم الذي يتزامن عرضه مجاناً مع أزمة كورونا والحجر المنزلي في كثير من الدول، هي أن هناك رسالة واضحة ذُكرت في منتصف الفيلم تطرح خطورة الانفجار السكاني وتضاعف أعداد البشر بوتيرة لم تسجل من قبل في التاريخ. وكأن أحد الحلول للتخفيف من الضغوط البيئية التخلص من أعداد كبيرة من الناس. ما يتم تقديمه عادة في نفس السياق الطرح القائل أن أفضل ما يمكنك أن تفعله للبيئة هو أن تمتنع عن الإنجاب. لكن من المعني بهذا الطرح؟
تشير الإحصاءات إلى أن نسبة النمو السنوية
عالمياً 1% ، بينما كان الاستهلاك يزداد سنوياً، حتى بدء
جائحة كوفيد-19، بمعدل 3% بحسب دراسات
صندوق النقد الدولي. من الملفت أن الدول الأكثر نمواً
لديها قوة شرائية أقل وتعتبر أكثر فقراً، بينما الدول الأقل نمواً هي الأكثر
استهلاكاً والأعلى في إنتاج
التلوث عالمياً. يرفض الصحافي
جورج مونبوت في مقال له في
صحيفة الغارديان أطروحة فيلم غيبز ومور، ويراها غير متوازنة، حيث تقدم تناقضاً
عنصرياً عندما يقوم أثرياء مثلهم بالتنظير على دول الجزء الجنوبي من العالم من
خلال إشارات مبطنة بالفيلم لعدم التكاثر والإنجاب. وكأنهم، بحسب مونبوت، يقولون أن
المٌلام في هذه المعادلة: "ليس نحن المستهلكون، وإنما أنتم الذين تتكاثرون
باستمرار"، دون التركيز الكافي على المشاكل الحقيقية التي تسببت بها دول
العالم الأول.
يقول مونبوت:
"التذرع بالنمو السكاني هو ما تلجأ إليه عندما لا تفكر بالعمق الكافي بحجّتك.
التذرع بالنمو السكاني هو ما تلجأ إليه عندما لا يكون لديك الشجاعة الكافية
لمواجهة مشاكل هيكلية ومُمأسسة تسببت بالورطة (البيئية) التي وقع العالم بها: وهي عدم
المساواة، والنفوذ النخبوي، والرأسمالية."
بالتأكيد الموضوع شائك وأعقد من أن يُقدّم في فيلم وثائقي مدته 100 دقيقة. هناك الكثير من الأطراف التي تربطها علاقات متشابكة، وما سلط فيلم "كوكب من البشر" عليه الضوء كان تداخل النشاط البيئي بالرأسمالية التي آخر همّها البيئة. يسبب الفيلم إنزعاجاً ضرورياً يجب الإحساس به عند تناول المسألة البيئية، بالأخص خاتمته المحزنة التي فيها استعاره لما فعله البشر بجشعهم وعدم اكتراثهم بغيرهم من المخلوقات الذين يشاركونهم هذا الكوكب. مع كل اختلاف الآراء حوله، يستحق الفيلم المشاهدة. يقول عبد الرحمن منيف أن "العالم لم تغيّره إلا الأفكار" والفيلم يقدم أفكاراً محفزة على التفكير والتأمل. من يعلم؟! قد تغير بعض الأفكار الناتجة عن مشاهدة وثائقيات كتلك هذا العالم يوماً ما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق