فرصة ثانية للحصول على تجربة جامعية


تجربتي الجامعية الأولى كانت في عمان في الجامعة الأردنية، استمرت لثلاث سنوات ونصف وبعدها هربت إلى اسطنبول حتى أني فوّت حفل التخريج لأنه بصراحة لم يعنِ لي الكثير.

لم أكن أتواصل مع الهيئة التدريسية، فقد كنت نكرة؛ مجرد رقم يجب أن يظهر وقت أخذ "الحضور والغياب". أما عن المواد الدراسية، فقد كانت جامدة وشكلية، والتقييم محصور باختبارات للذاكرة، لا بحث علمي ولا تفكير نقدي ولا ما يحزنون. كما كان معظم الطلاب في كلية التجارة وإدارة الأعمال .. لنقل "مختلفين".
لا .. لحظة لحظة .. ليس لدي أية مشاكل مع الاختلاف هم أرادوا أن يشعروا باختلافهم عنّا - نحن الذين لا نشبههم - ، كانت مشكلتي معهم أنهم كانوا صور نمطية مكررة وممسوخة، منسلخة عن المجتمع الذي ينتمون إليه وتحاول عبثاً الالتصاق - عن بعد- بأقرانهم المراهقين في الولايات المتحدة والغرب عامة. معظمهم كان من مدارس مختلطة خاصة، وكانوا يتكلمون باللغة الإنجليزية فيما بينهم، ينظرون بدونية للآخرين، ويرتدون ملابس متشابهة وعلامات تجارية باهظة الثمن. (انظر مقال ياسر أبو هلالة "وزراء عيالنا")

الشيء الوحيد الذي اكتشفته في السنة الثالة - وهو توقيت متأخر نسبياً - : العمادة و وحدة الدعم الطلابي. فيها أنشطة غير منهجية ودورات متواضعة تفي بالغرض. فيها تعلمت القليل من لغة الإشارة، وأخذت دورات مثل اللغة الإسبانية، ومبادئ التصوير الفوتوغرافي (كانت دورة كوميدية بالمناسبة!)، وتطوعت لمساعدة الطلاب المكفوفين في الدراسة، حيث كنت أقرأ لهم المواد أو الكتب التي يريدون الاطلاع عليها، وكنت أرافقهم وقت امتحاناتهم فأقرأ لهم الأسئلة وهم يجيبون شفهياً وأنا أكتب لهم الإجابات. كانت هذه أجمل ما في تجربتي الجامعية بصراحة!

للأسف، أستطيع القول جازمة بأني أمثل شريحة كبيرة من الأردنيين والأردنييات التي لم تكن تجربتهم الجامعية مثرية كما يأملون. مجرد مرحلة للحصول على شهادة تؤهلهم للدخول إلى سوق العمل.

لذلك؛ أنا سعيدة جداً وممتنة للحصول على فرصة جامعية أخرى في جامعة لندن! وفخورة بأني طالبة دراسات عليا في قسم التنمية والتطوير في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، أو كما يُطلق عليها "سُواس".


يمكن القول أن الجو العام في "سُواس" ودود ومرحّب بالجميع، فمعظم الناس - على اختلاف جنسياتهم وخلفياتهم ومعتقداتهم - الذين تستقطبهم "سُواس" يشتركون في العديد من الصفات والاهتمامات. مثلاً: معظم من التقيت بهم حتى الآن لديهم اهتمامات بيئية، ويعتبرون نشطاء في مجتمعاتهم في دعم الأقليات واستقبال اللاجئين، يتكلمون عدة لغات، وحتى اختياراتهم لملابسهم، فهم من النوع المسترخي الذي يكترث فقط للراحة وفيها الكثير من الألوان، عند الفتيات نرى الكثير من الشالات الملونة والأنوف المثقوبة وأقراط الأذن المستوحاة من التراث الإفريقي، أما عند الشباب فهناك شعر طويل (أحياناً مجدل أو كعكة من الشعر المجعد) وقمصان بنقشات مورّدة وملونة، وسراويل خضراء وخمرية اللون والقليل فقط من الجينز.

هل تعرفون أهمية "برج الساعة" كمعلَم في الجامعة الأردنية؟ في "سُواس" برج الساعة لديهم هو تمثال بوذا.
يلتقط كثير من الناس صوراً مع/لهذا التمثال، وليس من الغريب أبداً أن تتفق للالتقاء بشخص ويقل لك "أراك عند بوذا الساعة الخامسة" مثلاً.


دائماً هناك شيء مثير للاهتمام في الجامعة.
لقاءات ومحاضرات، اجتماعات لنوادي الطلبة، عروض أفلام، إشهار كتب واستضافة باحثين، وهو أمر جميل جداً لكنه يولد شيئاً من الضغط، فالطلاب ليس عليهم الاختيار بين الدراسة (وهي متطلبة وزخمة) وأنشطتهم الاجتماعية الأخرى وتلك الفعاليات الجامعية فحسب؛ في كثير من الأحيان يجب أن يختار الطالب أو الطالبة ما بين فعاليتين مجدولتين في نفس اليوم.


أحب أن أفكر أني أشبه "سُواس" وأن "سُواس" تشبهني، للأمانة فيها شيء آسر يجعل طلابها فخورين ومنتمين. في لقاءات الأسبوع الأول الترحيبي كانت رئيسة الجامعة تقول أننا نؤهل طلابنا ونساعدهم حتى يغيروا العالم. ربما يراه البعض مجرد كلام حماسي لكن الذين يرتادون "سُواس" يشعرون بأهمية آرائهم، ويرون طموح من حولهم، يؤمنون بأنفسهم لأن كل من حولهم يؤمنون بهم وبقدرتهم على التغيير.
من المحزن والمثير للشفقة أن الطلاب خاصة والناس عامة قد يعيشون عمراً كاملاً في بلادنا دون أن يحسوا يوماً بذلك الشعور.


هناك 8 تعليقات:

  1. روان يا روان يا سلة الرمان
    استمتعي بكل لحظة
    وتعلمي بكل جوارحك
    وابتسمي
    وإذا شعرتي بالدفء فلا تعودي :)

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً شكراً يا محمد! :)
      شكراً جزيلاً على النصائح الجميلة ..
      كل التوفيق أتمناه لك أيضاً

      حذف
  2. روان 😍✨
    بتفق معك إنه للأسف معظم اللي درسوا بالجامعات في بلادنا نا جربوا هاد الشعور، وبسعدني إنك بكلماتك عن تنقليلنا هاي المشاعر.

    كل التوفيق واستمتعي بكل التفاصيل وكل شي ☺️.

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً شكراً يا إسلام :))
      كالعادة سعيدة جداً بمرورك وتعليقك ورح أحاول إن شاء الله مع كل الضغط الدراسي إني أستمتع

      حذف
  3. برج الساعة الأجنباوي وأشياء أخرى

    :)


    موفقة يا روان. علم وذخر وتجربة زاخرة يااااااا رب

    ردحذف
  4. برج الساعة الأجنباوي وأشياء أخرى

    :)


    موفقة يا روان. علم وذخر وتجربة زاخرة يااااااا رب

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً دكتور (مع أني بعرف انك ما بتحب نناديك دكتور .. بس احتفالاً بالإنجاز العظيم :))
      الله يسعدك يا رب .. إن شاء الله

      حذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...