ولأن خوارزميات التواصل الاجتماعي تعمل بشكل متشعّب، تواصل معي أشخاص من مختلف البلدان كان لديهم اهتمامات مشابهة. لم أكن أعرف بوجود عوالم لهواة يهتمون بتجميع أشياء – بدت لي عجيبة. فلم يقتصر الأمر على الطوابع كما يفترض الكثيرون، وإنما تعدّى ذلك ليصل للأوراق النقدية والعملات، وأغطية زجاجات الصودا، وتجميع بطاقات بريدية لموضوعات معينة كالطعام، أو السيارات، أو حتى الحيوانات المرسومة بشكل كرتوني وترتدي ملابس!
من بين الذين تواصلوا معي زان، شاب من سلوفينيا، مهتم بتجميع ملصقات الفاكهة. لديه مجموعة تقارب 50 ألف ملصق من مختلف أنحاء العالم. سألني ماذا أجمّع. وجدت السؤال مضحكاً. قال إنه مستعد لإرسال شيء من سلوفينيا مقابل إرسال ملصقات فاكهة من الأردن.
لفتت انتباهي هذه الهواية، وبتّ ألاحظ تصاميم الملصقات المختلفة في كل مرة أذهب فيها للتسوق. صرت ألاحظ تصاميم الملصقات تبعاً لبلد المنشأ. جمعّت له بعض الملصقات وأرسلتها. شعر بالامتنان وأرسل لي في المقابل بطاقة بريدية.
وهكذا بدأت صداقة تراسلية إلكترونية. فقد استأذن زان إن كنت أستطيع مساعدته
في قراءة بعض الملصقات المكتوبة بالعربية. عندما كان يرسل لي الصور، كنت أستطيع أن
أميز المكتوب منها باللغة العربية وتلك المكتوبة بالأوردو أو الفارسية. تمكنت من
مساعدته من تحديد أبرز مصدري الفاكهة في مصر ولبنان من أرقام الهواتف المدرجة على
الملصقات وصفحات الفيسبوك. وصلنا لمرحلة أنا وزان، صرنا نناقش "الأسلوب
التصميمي" لبعض الدول، وكأن هناك مدارس للتصميم في بلدان مختلفة. حتى قبل
التحقق، كنا "نشعر" أن هذا الملصق أو ذاك يوحي بأنه مصري أو لبناني أو
أردني.
لكن ما علاقة كل هذا بالقضية الفلسطينية؟
في إحدى المرات، قبل جائحة كورونا، أرسل لي زان ملصقاً وسألني إن كان من
"إسرائيل"؟ سؤاله المباشر استثار مشاعري وكان بداية لحصص سياسة وتاريخ، شعرت
أن صديقي بالمراسلة تقبلها بسعة صدر واهتمام. صحيح أنها بدأت بعبارات شديدة اللهجة،
فالفاكهة التي يسأل عنها زُرعت على أرض مسروقة، يزرعها محتلّ ويستغل خيراتها بعد
أن قتل وشرد أهلها، لكن زان أبدى اهتماماً بمعرفة الجانب الآخر من القصة، المغاير
لما تتناوله وسائل الإعلام السلوفانية بشكل مقتضب وعابر. كان يغيب ويرجع بأسئلة،
ويرسل مقاطع ويسألني عن رأيي فيها، وكنت في المقابل أرد بما أستطيع، وأشارك بدوري
روابط لمقالات ومواد أعتقد أنها ستساعده على فهم الوضع كما هو.
شيئاً فشيئاً، استقطبنا معنا زان وأصبح مناصراً للقضية. ومع الإبادة
الجماعية في غزة، لدى زان مشاعر واضحة لا تنطلي عليها السرديات الغربية للسابع من أكتوبر.
يشاركني زان بين الحين والآخر ما لا أراه في إعلامنا، من حوارات تدعمالقضية الفلسطينية في البرلمان السلوفيني، أو تظاهرات الجمهور السلوفيني في مباراةكرة سلة أمام المنتخب الإسرائيلي، وأعلام فلسطين والهتاف لغزة في مهرجانات الصيف.
👏👏👏
ردحذفHow do you know...? The butterfly effect
ردحذفغالباً لا أهتم بملصقات الفواكة ولكن منذ فترة وجدت ملصق على الموز مميز عن غيرة فاحتفظت به وسيعيش بقية حياته في دفتري،…
ردحذف