مراجعة كتاب: دار خولة

 
الدليل على حبي لقلم بثينة العيسى هو أن رواية "دار خولة" هو العمل الخامس الذي قرأته لها، بالإضافة إلى كل الأشياء، وخرائط التيه، شرف المحاولة: معاركنا الصغيرة ضد الرقابة، وحاء.


تقول صديقتي هناء: "لو كتبت بثينة العيسى كتيب إرشادات لكيفية استخدام غسالة فإنه سيكون ممتعاً". وبالفعل المَلكة التي لديها ملهمة. فكما انها قادرة على شد القارئ في 400 صفحة كما في خرائط التيه، فإنها في 100 صفحة أيضاً تستطيع إيصال رسائل قوية بلا زيادة أو نقصان  كما في دار خولة. قوة العمل – القصير نسبياً بحكم عدد الصفحات – لا يقل عن الأعمال الأخرى الأطول التي قرأتها لها.

الرواية الصادرة عن منشورات تكوين في أيلول 2024، تدور حول خولة؛ سيدة كويتية تعيش في مجتمع يصارع بين الحفاظ على التقاليد ومواكبة تحولات العولمة. وبسبب هذه هذه التحولات الاجتماعية، نرى تأثير ذلك على خولة وعلى علاقاتها مع عائلتها ومجتمعها.


أظن أني دائماً سأكون منحازة لأسلوب بثينة العيسى الأدبي. بلغتها البسيطة دون تسطيح، والقوية دون فزلكة واستعراض لغوي، فإن أسلوبها سلس وعميق بنفس الوقت. الحوارات في الرواية واقعية ومليئة بالتفاصيل الدقيقة التي تجعل الشخصيات حية وقريبة من القرّاء. فقد نجحت في نقل مشاعر دفينة وصراعات داخلية للشخصيات بحيث يشعر القارئ وكأنه يعيش هذه التجارب بنفسه. غطّى العمل عدة موضوعات كالهوية، والموازنة بين التقاليد ومواكبة التغييرات الاجتماعية، بإضافة إلى العلاقات الإنسانية داخل الأسرة ومع المجتمع.

 إذا كنت - مثلي - مستاءً من ظاهرة انتشار اللغة الإنجليزية بشكل مبالغ به، ويسوْءُك أن لغة اللعب بين الأطفال - في المدرسة أو الحديقة أو الأماكن العامة - هي الإنجليزية، ويضايقك توجه الأهالي للمدارس الأجنبية على حساب الاهتمام باللغة والهوية العربية، وغيرها من الظواهر المشوّهة، فإن هذا الكتاب سيعجبك. لأنه يؤكد على أهمية اللغة وبناء الهوية ويوضح الشرخ الذي سيحصل، ولو بعد حين، بين الأفراد وأهاليهم ومجتمعاتهم، تماماً كما حصل بين خولة وابنها ناصر، وبين ناصر وأخيه يوسف. ولأن بثينة العيسى هي بثينة العيسى، فقد استطاعت أن تقدم لنا بطال القصة بواقعية تمنعك من الانحياز لشخصية ضد أخرى. نرى أن لدى خولة الحق بأن يكون لديها خيبة أمل والاستياء من ابنها، لكن في نفس الوقت، ناصر هو "ضحية" ونتاج ظروفه واختيارات والديه.

 إذا قررت قراءة العمل، استمتع بالتفاصيل وتأكد من الالتفات للرمزيات. سيكون من اللطيف أيضاً مناقشة الكتاب مع شخص آخر. هذا ما تؤكد عليه بثينة العيسى بنفسها حيث تقول: "القراءة التي لا يعقبها حوار قراءة ناقصة". وتضيف أن الكتب التي تناقشها مع أصدقاء قراء دائماً تكون الأرسخ في وجدانها والأكثر تأثيراً عليها. فالروابط التي تأتي من النقاشات مع الآخرين، ومشاهدة أفلام مقتبسة عن الأعمال، أو وثائقيات عن نفس المواضيع، كل هذه التقاطعات تعذّي بعضها وتعزز من فعل القراءة.


هناك 11 تعليقًا:

  1. مراجعة مشوقة حول الرواية ياروان حفزتني للتفكير بجدية فى اضافتها لقائمة قراءاتي خلال الشهور القادمة

    ردحذف
  2. لولولولولوليييييش عادت سلة الرمان 💃🏽💃🏽💃🏽💃🏽

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً هناء!! إن شاء الله إنها عادت :)

      حذف
  3. قرأت لبثينة العيسى رواية واحدة هي عروس المطر. رواية جميلة لكنها لم تشدني كثيرا. مراجعتك لهذه الرواية تشجعني على قراءتها. شكرا لك

    ردحذف
    الردود
    1. لأنه الرواية قصيرة في عدد الصفحات، أشعر أن الأمر مشجع وكأن "المجازفة" أقل. لأن قراءة الكتب استثمار في الوقت والجهد، أليس كذلك؟ أتمنى أن تعجبك وأحب أن أسمع رأيك إن تمكنت من قراءتها.

      حذف
  4. شكرًا جزيلاً روان على المراجعة اللطيفة، شجعتيني على قراءة الرواية 🌼

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً لك نشوى :) سعيدة أنك أحببت المراجعة وأتمنى أن تعجبك الرواية.

      حذف
  5. إيناس أحمد8 مارس 2025 في 7:18 ص

    شجعتيني اقرأ لبثينة روان ! ان شاء الله في زيارتي القادمة للاردن بتكون من ضمن مشترياتي من الكتب

    ردحذف
    الردود
    1. حبيبتي ايناس :) أتمنى تكون عند حسن ظنك .. لغتها جميلة وماهرة في الحبكات

      حذف
  6. مرحبا روان🌸
    سعدت جدًا حين دخلت القارئ ورأيت تدوينة جديدة باسمكِ، نفتقدكِ هنا :)

    الأسبوع الماضي كنت أفكر بأنني أود تجربة القراءة لبثينة العيسى، أتابعها أحيانًا لكنني لم أجرب القراءة لها، ما الكتاب الذي ترشحينه كبداية؟ وسمعت أن كتاباتها تتخذ نمطًا كئيبًا فهل هذا صحيح؟

    ردحذف
    الردود
    1. أهلاً نوار،
      شكراً على الترحيب :) فعلاً بعد انقطاع، أنوي العودة للتدوين
      للأمانة، أعتقد أن هناك شيئاً كئيباً بالفعل، أتذكر كل الأشياء وخرائط التيه .. كلاهما وضعني في مزاج غريب. لكن ذلك يدل على قدرة الكاتبة على التأثير. أنصحك بحاء. "حاء" مجموعة مقالات، فيها أفكار مختلفة وجميلة، ومكتوبة بلغة بثينة العيسى - التي تجمع بين السلاسة والعمق. أتمنى لك قراءة طيبة.

      حذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...