الاستعداد لمعرض الكتاب


حماس سنوي يرافق تعليق اليافطات واللوحات التي تعلن عن معرض عمان الدولي للكتاب. فعالية ثقافية سنوية ينتظرها الكثيرون ويشارك فيها دور نشر وكتاب وشعراء ويرتادوها محبو الثقافة والقراءة. بالطبع ليست فعالية شرائية بحتة، فالمعرض سيوفر مساحة عامة للكثير من أطياف المجتمع على اختلاف اهتماماتهم وتوجهاتهم وشرائحهم العمرية. ستكون فرصة جميلة لتصفّح عشرات (مئات؟) الكتب، وسماع مناقشات عرضية من هنا وهناك عن مختلف الموضوعات، ندوات وأمسيات شعرية، ورؤية آخر الإصدارات والمنشورات لمن نميل إليهم من كتّاب ومفكرين وروائيين.



لكني أعترف؛ يعتمر في داخلي مشاعر متضاربة عند مطالعة اللوحات الإعلانية لمعرض الكتاب السنوي في شوارع المدينة. مزيج من الحماسة والترقب الحذر، يرافقه صوت داخلي يذكرني بالكتب المكدسة في غرفتي، والمصفوفة على الأرفف أو بجوار السرير والتي تنتظر مني الانتهاء من قراءتها وحتى في بعض الحالات البدء فيها. منظر الكتب المركونة جميل بلا شك لكن فيه شيء من العتاب؛ تذكير دائم بالشعور بالتقصير، بالأولويات المشتتة والأموال المبددة.

























في نفس الوقت هناك جاذبية غامضة للكتب المطبوعة حديثاً بأغلفتها اللامعة ورائحة الورق الطازج والتي تجعل من مقاومة شراء الكتب على اختلاف أنواعها أمر صعباً يحتاج إلى إرادة قوية وضبط للنفس. كما قال شوبنهاور: "سيكون من الجيد شراء الكتب فقط إن تمكنا من شراء الوقت الكافي لقراءتها؛ لطالما اختلطت فكرة شراء الكتب مع تحصيل محتواها."

يمكن اعتبار معرض الكتاب تنبيهاً قوياً يوقظنا من الغفلة الثقافية التي نشعر بها بسبب أشباح منتجات الثقافة التي نستهلكها - بدون وعي في كثير من الأحيان - ونستمد منها معلوماتنا وأفكارنا مثل منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص لا نحبهم في الكثير من الحالات، أو فيديوهات إخبارية متبوعة بطرائف وغرائب وتجارب أداء لهواة في روسيا أو الولايات المتحدة، أوراق مصورة، جرائد إعلانية، أو رسائل محولة على مجموعة العائلة في تطبيق الواتساب..
تلك أوقات ضائعة يمكن إعادة توجيهها بتنظيم قائمة قراءة سنوية (حتى معرض الكتاب الثاني..؟ ربما؟) فيها كل ما أجلنا قراءته، أو ادعينا معرفتنا بمؤلفه أو رغبنا بالتأكد من كل الاقتباسات المنسوبة إليه.

لذلك قمت ببحث صغير، قرأت فيه تدوينات لنصائح قبل الذهاب لمعرض الكتاب، وحضرت بعض مقاطع الفيديو (لم أكمل معظمها بصراحة لأنها كانت مملة ومحتواها متعارض أو غير جذاب)، وحاولت سؤال من حولي من القراء ممن يحبون الكتب ومعارضها ويحرصون على ارتيادها، وخرجت بالنصائح التالية:

التخطيط أو العفوية؟

قبل الذهاب إلى المعرض، ينصح بالنظر في جدول الفعاليات في حال وجود فعاليات يرغب المرء بحضورها. مثالياً؛ سيكون هناك قائمة معدة بعناية لكتب قُرأت مراجعاتها على موقع الجودريدز أو كتب مقررة في نادي قراءة منظم للغاية، أو باتباع قائمة قراءة أحد العلماء أو المفكرين أو تلك التي تحتوي اقتراحات على غرار "١٠٠ كتاب عليك أن تقرأها قبل أن تموت". يمكن التقييد بتلك القوائم، مع مرونة لشراء كتاب أخرى من خارج القائمة إن كانت تبدو قيّمة أو مثيرة للاهتمام. 

في المقابل، الذهاب بقلب مفتوح ودون أي قوائم مسبقة للاستمتاع بتصفح الكتب واستكشاف موضوعات مختلفة، لكن تذكر أن تكون صادقاً مع نفسك  ومتأكداً من أنك ستقوم حقاً بقراءة الكتاب، حتى لا يتملّكك الشعور بالندم عند مجيء موعد معرض الكتاب التالي.


الوصول إلى المعرض

قد يشكل الوصول إلى المعرض تحدياً بالنسبة للكثيرين، لذلك يمكن الاعتماد إما على خيار المواصلات المعلت عنه على صفحة المعرض، أو الذهاب بالمركبات الشخصية أو العائلية، أو الاستعانة بأحد الأصدقاء ممن لديهم مركبات خاصة. 
يميل البعض للذهاب في أنشطة من هذا النوع بمفردهم، لحاجتهم إلى التركيز في اختيار الكتب وعدم رغبتهم بالتقيد بمواعيد مع أحد. لكن الذهاب في مجموعة، بالإضافة إلى أنه يؤمّن المواصلات، وصديق للبيئة، فهو تجربة لطيفة، وفرصة للاتفاق على شراء كتب وتبادلها لاحقاً، أو الاستعانة بنصائح أو معلومات عن الكتب والمؤلفين من أفراد المجموعة.

استغلال المعرض لأهداف متعددة
نظراً لأن البلد فقيرة بالمساحات العامة وفعالياتها محدودة إلى حد ما، فعلى الأغلب ستكون زيارة المعرض نشاطاً رائجاً وسيقبل عليه سكان المدينة ومن حولها، لذلك من المتوقع مصادفة الكثير من المعارف. قد يكونون زملاء في عمل سابق، أو أقرباء من الدرجة الثانية، أو أصدقاء قدامى تقطعت بينهم السبل.من الأجدى إلقاء التحية عليهم وعدم التظاهر بعدم رؤيتهم فلقاءات سريعة من هذا النوع قد تعني الكثير لمن حولنا وقد تضفي لمحة ودية على التجربة ككل. 

كما يمكن لمعرض الكتاب أن يكون فرصة للخروج وقضاء بعض الوقت النوعي مع أفراد العائلة الذين لا يتم الخروج معهم بكثرة في الأيام العادية، كمرافقة أحد الوالدين أو اصطحاب أطفال العائلة. من الملفت كثافة وجود الآباء مع أحد أبنائهم الشباب أو بناتهم اليافعات في معارض الكتاب. وهو أمر طبيعي ومحبب بالطبع لكننا لا نراه بنفس الكثافة في أماكن عامة أخرى. وهو الأمر الذي أكدّت عليه الكثير من صديقاتي حيث عبّرن أن الذهاب لمعرض الكتاب أحد الأنشطة القليلة المشتركة التي يقمن بها مع آبائهن منذ الطفولة. لذلك فالمحافظة على طقس عائلي أو استحداث واحد هذا العام، قد يكون فكرة جيدة. 

الميزانية

 إحدى أبرز المحددات التي تعيق شراء العديد من الكتب التي تبدو شيقة، أو التي كُتبت ملخصاتها على الغلاف الخلفي ببراعة بحيث توحي بأنها جد شيقة، هي النقود. سيكون هناك العديد من الخيارات والأغلفة الجذابة والأسماء الرنانة للكتاب لذلك يمكن إلقاء نظرة شاملة أولاً على أكبر عدد ممكن من الأجنحة وعمل تصفيات ذهنية ثم الرجوع للكتب التي بقيت بعد الغربلة. كما يمكن الذهاب أيضاً إلى أجنحة تشعرك بالقوة الشرائية على غرار جناح وزارة الثقافة والذي يحتوي كل عام على إصدارات "مكتبة الأسرة الأردنية" والتي تباع بأسعار رمزية. والنصيحة الأخيرة للتأقلم مع ضيق ذات اليد، هي استحداث قائمة موازية سواء بكتابتها يدوياً أو إلكترونياً أو حتى التقاط صور لأغلفة الكتب التي لم يُتمكن من شرائها بعض النظر عن الأسباب، وذلك لمتابعة قراءتها سواء باستعارتها من الأصدقاء ممن يمتلكون نسخاً منها، أو استعارتها من المكتبات العامة، أو حتى الاستماع لتسجيلات صوتية منها.


 في المعرض

 يمكن تقسيم الزيارة إلى شوطين أو أكثر حسب الحاجة. وأخذ استراحات سواء بالتوقف لتناول شيء خفيف أو احتساء القهوة في حال توفر أماكن لبيع الوجبات الخفيفة والتي غالباً ما تكون قريبة من البوابة الرئيسية. كما أنه من الضروري أن نتذكر ارتداء حذاء مريح وأخذ حقيبة كبيرة أو أكياس قماشية للاستغناء عن الأكياس البلاستيكية وتخفيف الأعباء البيئية.
الصورة: في طاولة لعشرة

* نُشر المقال بعد التحرير على موقع حبر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...