متلازمة الشهرة المشوّهة


استيقظت اليوم باكراً، ولم يكن أول ما أفعله بعد أن أفتح عيناي - على خلاف أعداد متزايدة من الناس - هو البلكشة في هاتفي الخلوي. لا أزال صامدة وملتزمة قدر الإمكان بالحمية الإلكترونية التي تؤجل احتكاكي بالفضاء الإلكتروني ساعتين بعد الاستيقاظ وساعتين قبل النوم وتوفر لي شيئاً من راحة البال، والمزيد من الوقت والتركيز في أنشطة شخصية.

بعد فطور هادئ مع العائلة، وأعمال منزلية صباحية بسيطة، فتحت تطبيق الانستجرام لأرى خاصية "السؤال" الجديدة. ردة فعلي الأولى كانت الانزعاج بصراحة، شعرت بشيء من الضيق وأنا أراها تكتسح حسابات من أتابعهم و تذكرت روابط كنت أصادفها في مواقع تواصل اجتماعية أخرى ولا ألقي لها بالاً لمنصات على غرار آسك أو صراحة. قلت في نفسي: الله يسهّل عليكِ يا زايدي سميث!


المصدر

في أحد مقابلات زايدي سميث سُئلت عن إدمان الفيسبوك، وما شاركته يمكن قياسه على مواقع أخرى مثل تويتر وانستجرام. أتفق مع سميث أن مشكلة تلك المنصات هي تحويل الجماهير لمجموعات من المشاهير الصغار، حيث يعيشون شهرة مشوّهة ولديهم قاعدة من المعجبين والمعجبات - مهما عظم أو صغر نطاق تلك القاعدة -. العلاقة ليست سليمة، فهي استعراضية مهما حاول مطوّرو تلك التطبيقات إضافة خاصيات "تفاعلية" لها، ستبقى أحادية الجانب لدرجة كبيرة ومعتمدة على التلقي السلبي.



في وقت أشعر فيه أن فقاعتي الجميلة (على رأي ربى شمشوم) هشّة وأقل مقاومة، أجد نفسي حساسة للآثار المترتبة على تلك المواقع.
أنا مدركة أن العيش من دونها يكاد يكون غير ممكنٍ هذه الأيام، وللأمانة هناك جوانب أستمتع فيها وأراها جميلة تجعلني أكثر وعياً وتمدني بالإلهام والأفكار وتعرّفني على أشخاص وأماكن لطيفة، لكن الخوض فيها مثل رحلة مليئة بالأفخاخ، وكلما قضيت المزيد من الوقت في استخدامها، شعرت بمشاعر سلبية وبتّ أخاف على سلامتي العقلية ونفسيتي.


المصدر


المطمئن في الموضوع أني لست وحدي، فأعراض مثل التوتر والاحباط ترافق الغالبية العظمى من الثلاثة بلايين مستخدم ومستخدمة لتلك المواقع حول العالم. لكن ما يمكننا فعله هو زيادة وعينا، وتذكير أنفسنا بالأفخاخ التي ترافق استخدامنا لمواقع التواصل الاجتماعي وتفاديها.

الفخ الأكثر شيوعاً هو الاعتقاد أن حياة من نتابعهم مثالية لمجرد رؤية إلماعات سعيدة بشكل متكرر.
معظم ما يتم مشاركته هو أكثر اللحظات سعادة وإشراقاً في حياة الناس. فمواقع التواصل الاجتماعي منصات لأرشفة انتصاراتنا الصغيرة والكبيرة، إنجازاتنا الأكاديمية والمهنية، الصور التي نكون فيها أنيقين ونظهر بمظهر جيد، أسفارنا ومناسباتنا السعيدة وعندما نكون محاطين بالأهل والأصدقاء والأحباب.
ما يحصل أننا نقع في فخ المقارنة؛ مقارنة "ما وراء الكواليس" في حياتنا اليومية من تحديات وصعوبات مع ما نراه من إلماعات لحظية سعيدة في أحداث مفصلية في حياة من نتابعهم.

كما يمكن النظر إلى الأمر بشكل معكوس بالتمعن بمقصدنا من مشاركة صورة أو تغريدة أو أي منشور. من المجدي التفكير لبرهة في الهدف من وراء مشاركة محتوى ما، الرسالة المبطنة التي ستصل إلى من يشاهد. لا أعتقد أن أحداً منا يريد أن يتباهى أو يستعرض أو يشعر الآخرين بسوء وبأنه/أنها أفضل منهم، على الأقل، هذا ما أود تصديقه ..أن لا أحد يقوم بهذا بشكل ممنهج.
لكن ما يحدث أن هناك ثقافة مستحدثة من الترويج للنفس وتسويق الإنجازات على مدار الساعة لإقناع جميع الناس بأننا ناجحون ومحبوبون ومثيرون للاهتمام، وكأن الجميع في سباق غير معلن. برأيي المتواضع علينا ألا ننصاع لتلك المنافسة المرهقة، وبكل احترام وشفافية نستطيع إلغاء متابعة الأشخاص الذين لا يثري محتواهم الإلكتروني حياتنا اليومية خصوصاً إن وصلنا شعور أنهم في سباق مع أنفسهم (أو مع أي كان).
الأمر بتلك البساطة. ضغطة زر وإلغاء متابعة.
لا نحتاج لعبء إضافي يزيد من سُمِّيّة الحياة المليئة بالتحديات والمنغصات أصلاً.

فخٌ آخر أواجهه كثيراً هو فخ الرواج والمردود.
تساؤلات مثل: هل نحن رائجون كفاية؟ هل المحتوى الذي نقدمه يحظى بشعبية كافية؟ هل حصلنا على عدد مشاهدات عالٍ؟ ماذا عن عدد الإعجابات على صورة، مقطع فيديو أو تدوينة قمنا بمشاركتها مؤخراً؟

الإعجاباب والمشاهدات والمشاركات باتت المقياس وهو ما يعطي قيمة لمحتوى ما، والذي شبّهته بايلي بارنر بالعملة. فهو - على حد تعبيرها - عملة غير نقدية مقابل سلعة أو منتج، وتلك السلعة هي نحن! فنحن نسمح بتسليع أنفسنا (أي جعل أنفسنا سلعة ) وقياس قيمتنا أو أهميتنا بعدد الإعجابات على صورة شخصية، أو إعادات التغريد على أحد آرائنا أو عدد المشاهدات لأحداث حياتنا.

وما يحصل أننا في كثير من الأحيان، نقوم بمحي تغريدة أو إزالة صورة من ألبوماتنا لأنها لم تحصل على "تفاعل" كبير، أي إزالة منتجنا من الرف، لأنه لم يكن رائجاً كفاية.

هذا أحد تحدياتي الشخصية: التحرر من سطوة عدد الإعجابات في الصور التي أشاركها على انستجرام.
أذكر نفسي دائماً بالسبب الذي دفعني لمشاركة منشور ما حتى وإن لم يلقَ رواجاً مقارنة بالمنشورات الأخرى على الحساب. في العادة أحب أن أشارك تفاصيل صغيرة جعلتني أبتسم، أو لحظات صفاء عابرة في مكان ما، أو سعادة استشعرت تلقائيتها في أمر في غاية البساطة. أحب أن أشارك الجمال، لا أكثر ولا أقل.
من الطبيعي جداً ألا تحصد جميع الصور أعداداً متماثلة من الإعجابات و التعليقات. بالمقابل يسعدني جداً أن أسمع تعليقات لطيفة بمعرض الحديث وبأثر رجعي من أشخاص أعرفهم معرفة شخصية وأثق برأيهم وذائقتهم الفنية، عن تلك المنشورات غير الرائجة والتي أعجبتهم لأنها حاكت شيئاً بداخلهم.

في العادة أميل إلى تفضيل الفنون المختلفة والموسيقى المستقلة والأفلام البديلة وغير التجارية البعيدة عن شباك التذاكر والتي لا تكون في العادة مشهورة جداً أو يعرفها الكثيرون، قياساً على ذلك، ألا يجب أن أرغب أن يُرى محتواي بنفس المنظور؟!

بالطبع هناك العديد من الأفخاخ الأخرى؛ كفخّ الإدمان، والتنمر الإلكتروني، والخوف من أن يفوتك شيء ما، أو فخ المنافسة مع الأقارب أو زملاء العمل والحديث يطول. لكل منا رحلته الخاصة، وتحدياته الفردية، وبما أننا نقضي الكثير من الوقت على تلك المواقع الإلكترونية، علينا إيقاظ أنفسنا من التغييب الجمعي الذي يحصل كل فترة، وعدم الخوف من السباحة عكس التيار، أو على الأقل؛ إبقاء عدسة نقدية في نظرتنا إلى الأمور حتى وإن انتشرت بشكل كاسح.

هناك 9 تعليقات:

  1. مقال جميل.. يعطيك العافية روان :)
    يذكّرني سباق صنّاع المحتوى نحو (التأثير) وجمع المعجبين على منصات التواصل الاجتماعي بمرشّح مجلس النواب الذي يبذل الغالي والرخيص حتى يحظى بالجاه الذي يريد ويصبح سعادة النائب فيروّج لنفسه أمام الناخبين أن هدفه الأسمى (خدمتكم)!!
    شهادة حق أن (سلة رمّان) من القلة الذين حافظوا على تواضعهم وبعدهم عن ساحات الشهرة وجمع المعجبين، وهذا برأيي ما جعل هذه المنصة مؤثرة حقا بكل كلمة صادقة كُتبت لا لتماري أو تجاري أو تستميل.. فكل كلمة تخرج وعليها كسوة القلب الذين خرجت منه كما قال ابن عطاء.
    أرجو أن تبقى سلة رمان على عهدنا بها ما بقيت..

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً لك أيها القارئ على تعليقاتك المثرية وكلماتك اللطيفة :)

      من اللافت تشبيه "المؤثرين" بمرشحي مجلس النواب ^_^ مقارنة موفقة

      شهادتك أعتز بها، وأتمنى دائماً أن أكون عند حسن ظنكم

      هل تسمح لي بسؤال...؟ كيف تعرّفت إلى سلة رمان؟ أو كيف وصلت إليها :)


      حذف
    2. اهتديت إلى سلّة رمّان عن طريق الأصدقاء وكان ذلك منذ أمد ليس بقصير، لكنني كنت مكتفياً دوماً بكوني "قارئ" :)

      حذف
    3. شاكرة لمتابعتك يا قارئ ..
      وسعيدة أكثر بانتقالك من "قارئ" فقط إلى "قارئ متفاعل ومعلّق" :)

      حذف
  2. رائعة روان! فعلا أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالافخاخ.. بصراحة الفخ الذي أعاني منه شخصيا هو كما ذكرتي المنافسة! بالظبط يشعر الشخص انه في سباق غير معلن للانجازات الاكاديمة و المهنية .. أحاول مؤخرا ان أخرج نفسي من هذا السباق .. فدعواتك :)

    و أتفق تماما مع التعليق السابق ان أكثر ما يميز "سلة رمان" انها لا تبحث عن الشهرة و جمع المعجبين بل تركز على النوعية و الواقعية في الطرح .. مقياسي هو اني كل مرة أقرأ لك مدونة جديدة أشعر بسلام داخلي و إلهام على عكس الشعور و ان كان مؤقت بعدم الرضا عن الذات أو الاحباط الذي قد يصيبني من منشورات في ظاهرها "إيجابية" لأشخاص "مؤثرين"... إستمري روان تسلم إيديك :)

    ردحذف
  3. رائعة روان! فعلا أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالافخاخ.. بصراحة الفخ الذي أعاني منه شخصيا هو كما ذكرتي المنافسة! بالظبط يشعر الشخص انه في سباق غير معلن للانجازات الاكاديمة و المهنية .. أحاول مؤخرا ان أخرج نفسي من هذا السباق .. فدعواتك :)

    و أتفق تماما مع التعليق السابق ان أكثر ما يميز "سلة رمان" انها لا تبحث عن الشهرة و جمع المعجبين بل تركز على النوعية و الواقعية في الطرح .. مقياسي هو اني كل مرة أقرأ لك مدونة جديدة أشعر بسلام داخلي و إلهام على عكس الشعور و ان كان مؤقت بعدم الرضا عن الذات أو الاحباط الذي قد يصيبني من منشورات في ظاهرها "إيجابية" لأشخاص "مؤثرين"... إستمري روان تسلم إيديك :)

    ردحذف
    الردود
    1. يا الله يا ايناس :) الله يجبر خاطرك على هالتعليق الجميل!
      موفقة يا رب! الله يفتحها عليكِ وإن شاء الله جَمعاً نتحرر من السباق والمنافسة ونقدر نستخدم مواقع التواصل بالشكل الأمثل والمريح.

      أنا سعيدة جداً انه التدوينات بتعطيكِ هذا الشعور :)))) وسبحان الله، معك حق هناك منشورات كثيرة في ظاهرها "إيجابية" لكن بعد قراءتها يشعر المرء بالإحباط وعدم الرضا.
      الله يصفّي نوايانا ويلهمنا الصواب ويعينّا على الخير إن شاء الله :)

      شكراً جزيلاً ايناس على لطفك ومتابعتك ودعمك الدائم صديقتي

      حذف
  4. جميلة جدا التدوينة،، وطرحك أكثر من رائع،، سعيد جدا باكتشافي (رغم أنه متاخر) لمدونتك
    :)
    تحياتي وتقديري

    ردحذف
    الردود
    1. الشكر الجزيل على المرور والتعليق :)

      حذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...