"حلم طفولتك تحقق..!"


هل تعلمون تلك القصص العائلية الكلاسيكية التي تعاد مئات (وربما آلاف) المرات، في كل مناسبة وعيد وزيارة للأقارب أو المعارف أو الأصدقاء؟ نعرف البداية ونعرف النهاية والأحداث والتفاصيل لكننا في كل مرة نستمع لها باستمتاع ونبتسم بلا تكلف لراوي تلك القصة؟ أحد قصص الفلكلور العائلي التي تخرج من الأرشيف "لمّا تيجي السيرة" هي حبي الطفولي الجارف للفراولة. تبدأ القصة ب"كانت الدنيا رمضان، وكانت روان صغيرة .. ربما ٥ أو ٦ سنوات".


جاء أبي من أحد المزارع التي كان يشرف عليها بحكم عمله كمهندس زراعي حاملاً صندوقاً كبيراً أو ما يسمى "قفص" يحتوي على ٦ صناديق صغيرة من فراولة طازجة لامعة وشديدة الحمرة مقطوفة قبل ساعات قليلة من وصوله للبيت. وصل أبي قبل آذان المغرب بحوالي نصف ساعة، وضع القفص على الطاولة وذهب ليغسل يديه، أمي ذهبت معه لتسأله عن يومه، فقد كانت جاهزة وأنهت ما عليها من تحضيرات، كانت فقط تنتظر كلا من الآذان وأبي حتى نباشر نتاول الطعام. رضا وحميد لم يكونا في المشهد، كنت وحيدة أنا وتلك الفراولات اللامعة على الطاولة. أرى الفراولة حمراء يانعة تحدق بي ورائحتها الزكية التي لم تقتلها أجهزة التبريد تفوح في مطبخنا الصغير. كنت صائمة، صيام رسمي فقد كان التوقيت شتوياً وكان النهار قصيراً نسبياً وكنت قد اجتزت مرحلة صوم العصفورة وصوم درجات المئذنة في ذلك الوقت.
لكن الإغراء كان أقوى من أي شيء في تلك اللحظة. توقف عقلي عن العمل وانجرفت غريزياً وأكلت واحدة من تلك الفراولات قبل دقائق من الآذان بدون تفكير. دخل أبي وأمي على مطبخ وانفجرا بالضحك. لم أرتبك حتى أو أغير من وضعيتي أو أخفي الفراولة نصف المأكولة بشكل لا شعوري .. لا لم أفعل ذلك. لم يبدو لي ما فعلت خاطئاً ذلك اليوم.
وعلى الرغم من أن صيامي كان أكبر إنجازاتي على الإطلاق في تلك الفترة ومصدر فخر عائلي يردد على مسامع الجدات والأقارب والجيران، لكن عشقي للفراولة في ذلك السن بدا ظريفاً لوالدي حتى أنه لم يقتصر على أن يكون قصة ذلك الرمضان، وإنما دخل بقوة لأرشيف القصص العائلية ومنذ ذلك اليوم أصبح حبي للفراولة مضرب مثل.


وبعد أكثر من عقدين على تلك القصة، اقترحت صديقة بريطانية الذهاب إلى حقل توت وفراولة لقطف الفاكهة. جرت العادة في بريطانيا أن تفتح بعض المزارع أبوابها في أوقات معينة في الصيف للكبار والصغار لقطف بعض المحاصيل ومن ثم الدفع حسب الوزن عند الخروج. هو نشاط لطيف خصوصاً للأطفال والعائلات ويدر على المزارع بعض الدخل ويوفر تكاليف الأيدي العاملة والنقل.





 ذهبنا هناك في يوم صيفي مشمس وقد كانت فكرة رائعة بلا شك. اتضح أن قطف التوت يحتاج لبعض الدقة والوقت لأن اللون لا يعكس نضوج وحلاوة الثمرة وإنما سهولة أخذها من الكوز وانزلاقها بسلاسة دون الضغط عليها وسحقها وانتشار عصارتها في كل مكان.


أما حقل الفراولة فقط كان رائعاً ورائحته كانت لا توصف!


سأحاول أن أصف وأقول: رائحة الحقل كان حلوة، ليس حلوة بمعنى جميلة بل حلوة من الحلاوة كمذاق. أعرف أن الحلاوة مقرونة بحاسة التذوق لكني استشعرت الحلاوة بحاسة الشم ذلك اليوم. وكأننا في بيت عائلي عملاق فيه ثلاث أجيال يصنعون أطناناً من مربى الفراولة المنزلي.


عندما هاتفت أمي في نهاية اليوم وأخبرتها، فرحت وقالت لي: "كان أمامك حقل كامل من الفراولة؟ حلم طفولتك تحقق !"



هناك 10 تعليقات:

  1. مبروك تحقق الحلم ست روان D:

    ردحذف
    الردود
    1. الله يبارك فيك أستاذ عمر :)
      على فكرة في تدوينة على الطريق بناء على طلبك .. قريباً

      حذف
  2. يا ربي روان ما احلى القصة اذا انا سمعتها كذا مره وهاي كانها اول مره وفكره كتير حلوة موضوع الناس تقطف اللي بدها اياه وتحاسب كتير حلوة

    ردحذف
  3. يا ربي روان ما احلى القصة اذا انا سمعتها كذا مره وهاي كانها اول مره وفكره كتير حلوة موضوع الناس تقطف اللي بدها اياه وتحاسب كتير حلوة

    ردحذف
    الردود
    1. :)

      شكراً للمرور والتعليق أم هاشم! وبخصوص القصة هاهاها .. بحكم صداقة السنين إلا ما تكوني سامعتيها كذا مرة، هي وقصة ولادتي من كلاسكيات الفلكلور العائلي :D

      حذف
  4. اللي بعده! #أحلام

    :)

    هو 3 أشياء لفتوني:
    1- كيف الوالدة علقت :)
    2- صيام درجات المئذنة (أول مرة بسمع بهاي!)
    3- لون الفراولة بالحقل - رهيب

    بأسكتلندا المزارع بعيدة وما قدرنا نعمل إشي زي هيك :( - - - أنا أكره الإنجليز هههههه
    وهيام وأنس حيصيرو صحبة بسهولة شكلو معك.. وهنا عالطريق.. ستروبرييييييييييييييي هي المفضلة عندهم.. (الحيوانات الصغار.. نكبة) :P

    * بالمناسبة: كلهم مخطوبات اللي كانوا بالمزرعة..
    asking 4 a friend
    :D

    ردحذف
    الردود
    1. رداً على تعليقك هيثم :)
      ١- أمي قررت انه حلم طفولتي :)) يمكن أهالينا بيضل ببالهم أحلامنا أكتر منا ..؟ ما بعرف بجوز. يمكن بعد كم سنة تذكّر هيام و أنس بإيش كانوا بدهم يصيروا بس يكبروا ^.^
      ٢- جدي الله يرحمه كان يحكي درجات المئذنة :)
      ٣- الصور غير معدلة على فكرة وما عليها أي مؤثرات .. بالفعل كانت الألوان ملفتة

      أنا من هلا على فكرة حاسة حالي صحبة مع هيام وأنس :))

      كالعادة، الشكر الجزيل على التشجيع والمرور والتعليق

      حذف
  5. For some reason your story was so touching it brought tears into my eyes...

    S

    ردحذف
    الردود
    1. :)
      والله القصد رسم الابتسامات وليس الدموع ... هي فعلا مليئة بالنوستالجيا
      ان شاء الله تكوني استمتعتي بقراءة التدوينة

      حذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...