هناك نوع من "الانتماء" للمكان لا بد من الشعور فيه حتى يكون التأقلم ممكناً. لم يكن من السهل في الأسابيع الأولى إرفاق ضمير الملكية على غرفتي/سكني/جامعتي دون أن أعرف أبعاد المكان وموقعي المادي والمعنوي فيه، لكن الآن وبكل ثقة أستطيع أن أقدم نصائح أو أفكار قد تساعد في التواصل مع مكان جديد. ليس من الضروري أن يكون بلداً آخراً، يمكن تطبيق ذلك على سكن جديد، مدينة جديدة، أو حتى مكان عمل جديد.
١. الإضاءة
بعد التجربة؛ لا شيء أسوأ من الإضاءة الخافتة الكئيبة. إن كانت الإضاءة الرئيسية في المكان ضعيفة، يمكن حل هذه المشكلة بإضافة إضاءة جانبية. شخصياً أفضل الإضاءة المائلة للصفار وأراها أكثر دفئاً (مقارنة بالإضاءة البيضاء). لحسن الحظ يتوافر حالياً العديد من البدائل الجيدة بأسعار متنوعة وموفرة للطاقة في نفس الوقت. هذا لا يعني الاستمرار بالإضاءة الساطعة على مدار الساعة، لكن توفر خيارات للتحكم بدرجات الإضاءة مهم، كالمصباح الجانبي للقراءة قبل النوم مثلاً.
قبل وبعد |
٢. مشاركة المكان مع كائن حي
أحب الحيوانات الأليفة لكن في هذا السياق أفضل خيار هو النباتات. "العِرق الأخضر" كما يقولون قادر على إضافة حياة و روح للمكان بشكل بديع. نباتاتي هن شريكاتي في السكن، أفرح عندما تتجدد أزهارهن أو حتى عندما أرى براعم جديدة :) وعندما أرى تربة الحوض الصغير تغبّ بسرعة الماء الذي أستخدمه للسقي أبتسم دوماً وأتخيلهن يشعرن بالارتواء كما نشعر عندما نشرب أول شربة ماء بعد صيام يوم صيفي حار. كما أتحين وقت الضحى حتى أضعهن في البقعة المناسبة من الشباك لأتأكد أنهن يحصلن على كمية كافية من أشعة الشمس.
٣. الاستثمار دائماً مجدي في الفطور
بالإضافة إلى كونها عادة صحية، فإن تناول فطور جيد يمنعكم من الشعور بأنكم مثيرون للشفقة.
لا شيء محزن أكثر من بدء اليوم بمعدة فارغة، وللأمانة القهوة غير محسوبة.
خلال أيام الأسبوع أتناول الحليب مع الحبوب والفاكهة، وفي عطل نهاية الأسبوع "أطبشها" وأتناول بيض!
من علامات التأقلم والاستقرار إيجاد المنتجات المناسبة وتقييم العلامات التجارية ومعرفة الجيد منها. استغرقني الأمر عدة أسابيع حتى أعثر على خلطة الشوفان والغرانولا المثالية. حاولت تجربة عدد من المنتجات وكان هناك العديد من المقالب، وعندما يعيش المرء وحيداً يكون مجبراً على استهلاك وإنهاء كل ما يشتريه حتى إن لم يعجبه. لكن لحظة الانتصار تكون بعد عدة أشهر عندما تشعرون بأنكم تعرفون جيداً ماذا تريدون وماذا تحبون ولا داعي للتحديق بالمكونات والأسعار في أقسام الفطور والأجبان وغيرها من المواد الغذائية.
نصيحة أخرى هي الخضار والفاكهة الطازجة لأنها تحسن المزاج بشكل ملحوظ. معظمنا يقضي وقتاً طويلاً خارج المنزل للذلك نحتاج للألياف والسكريات الطبيعية ومضادات الأكسدة.
سأضطر للمقارنة هنا؛ فقد كان ملفتاً بالنسبة إلى مراقبة ماذا يحضر طلاب الجامعة معهم إلى الجامعة وماذا يتناولون. فرق شاسع بين وجبات الطلاب في "الشرق" و"الغرب". من المثير للغيرة رؤية الوعي الغذائي للألمان على سبيل المثال، كيف يوضبون أطعمة مغذية سهلة التحضير ودائماً لديهم فاكهة موسمية في حقائبهم. يبدو أن "جماعتنا" اتكاليين بشكل طفولي ولا مسؤول. أذكر جيداً كيف أن زملائي في العمل كانوا يعلقون علي لأني أحب الخضار وحتى أن في شغلي السابق كان زميلي يقول لي أني "رايقة" لأني أحضر فاكهة وعندما أعرض عليه برتقالة كان يقول لي أنه "يتكاسل" عن تقشيرها (!!!)
يبدو أن شخصية الطفل الشقي الذي تلاحقه والدته باللقيمات تبقى متأصله لدى العديدين.
٤. إضافة عناصر مرتبطة بذكريات جميلة حديثة
الكلمة المفتاحية في العنوان الفرعي هي "حديثة". التذكارات التي نحضرها معنا من بلادنا مهمة لكنها في الأسابيع الأولى التي نشعر فيها بالاشتياق والحنين للوطن تكون حلوة مرة وباعثة على شيء من الألم. لذلك، نحن نحتاج إلى تذكارات بسيطة من صداقات جديدة وبطاقات متاحف وخرائط وبطاقات بريدية وغيرها.
شخصياً لا أحب الدباديب والألعاب لكن عندما ذهبنا أنا وصديقتي الصينية في رأس السنة الصينية إلى القرية الصينية في لندن كان هناك فعاليات وألعاب وهدايا مجانية وحصلنا على دجاجتين لأنها كانت"سنة الدجاجة".
لم أكن أتخيل أن أحب دجاجتي بهذا القدر، أبتسم كلما أراها لأنها تجلب لي ذكرى جميلة كلما نظرت إليها.
٥. التعود على استخدام الحمامات العامة
نعم نعم .. يبدو ذلك غريباً لكنه حقيقة. التعايش يا إخوان .. التعايش ضروري جداً.
الحياة أقصر من أن نحتفظ بالسموم داخل أجسامنا ونرهق الكليتين ونجهد البشرة ونحن نتجنب شرب المياه والذهاب إلى الحمام. لا داعي لذكر فوائد شرب المياه، لكن على الأقل يقتضي التنويه أن الطلاب والموظفين يحتاجون لشرب كميات وافية من المياه لزيادة نسبة التركيز وتحسين الأداء.
النصيحة الأولى: استكشف/ي الحمامات في المباني والطوابق المختلفة، وتجنب/ي الحمامات الموجودة في الطوابق الأرضية لأن عليها حركة دائمة. تسلل/ي إلى الحمامات في الطوابق الإدارية وفي طوابق مكاتب أعضاء هيئة التدريس أو الأماكن التي ليس فيها مراجعين.
النصيحة الثانية: احمل/ي معك دائماً قنينة مياه صغيرة (٢٥٠-٣٠٠مل) فارغة (حتى لا تكون حملاً زائداً) واجعلها/ي مخصصة للحمام. عند الدخول مباشرة املأها/ي بالماء واحمل/ي دائماً مناديل إضافية احتياطية.
٦. ادحش/ي حالك
من أهم الأمور التي تسرع التواصل مع المكان والانتماء له (ولو مؤقتاً) هو تكوين علاقات وصداقات جديدة. الجميل في التجارب الجديدة أن العلاقات طازجة وتستطيعون دائماً ترك مسافات أمان. بصراحة كلما كانت العلاقات سطحية في البداية كلما كان أفضل.
النصيحة الأولى: في الأسابيع الأولى التركيز على الكم وليس النوع. لا داعي للبحث عن صداقة العمر في الأسابيع الأولى من الاستقرار، سيكون هناك توقعات وخيبات أمل وفرص كبيرة للارتباك. تدريجياً ستتوضح الأمور وستظهر أبعاد الصداقة والزمالة ومشاركة السكن وستكرر بعض الوجوه ويختفي بعضها. وسبحان الله غالباً ما تكون المشاعر متبادلة، ففي حال أحببتم شخصاً ما سيكون ذلك الشخص أحبكم في المقابل وستجدون أوقاتاً لعمل نشاطات مشتركة وقضاء وقت ممتع ومع الوقت قد يصبحون أصدقاء عمر :) لا أحد يدري.
النصيحة الثانية: اغتنام كل الفرص المتاحة للذهاب إلى أنشطة وفعاليات والتعرف على أشخاص جدد. طبعاً ليس أمراً محبباً، وبالتأكيد إنه أمر صعب وباعث على الرهبة، لكنه مثل الرياضة، كلما مارسناه أكثر أصبح أسهل وأصبح لدينا لياقة لكسر الجليد مع الآخرين وفتح مواضيع معهم غير الطقس ودرجات الحرارة.
إنها فرصة ذهبية لتنمية مهارات التواصل وتعزيز الذكاء الاجتماعي، خصوصاً إن كان الأشخاص من خلفيات مختلفة ومتنوعة.
الصورة التالية أخذت في رحلة لهواة المشي لمسافات طويلة:
وهذه كانت في رحلة تسلق للمجتمع الإسلامي:
بالطبع أتبادل التحية مع كل الأشخاص الذين تعرفت إليهم في هذه الرحلات عندما أراهم، وبعضنا أصبح يلتقي لتناول وجبة غداء أو احتساء مشروب ساخن من فترة لأخرى. تلك الأنشطة بداية رائعة لصداقات لطيفة.
أتمنى أن تكون النصائح السابقة مفيدة. لن أقول أني تعلمتها بالطريقة الصعبة لكن كانت ستوفر علي بعض الوقت والإنزعاج في حال كنت سمعتها في وقت أسبق.
هل لديكم نصائح أخرى مستوحاة من تجارب شخصية؟
جميل جدا هذا البوست. ذكرني بأيام الدراسه. الدراسه في الخارج جميله جدا رغم كل شيء. بعض الصداقات خلال دراستي كانت هي الأقوى.
ردحذفبالتوفيق
شكراً جزيلاً على المرور والتعليق :)
حذففي البداية كان من الصعب التصديق أني سأشتاق "لهذه الأيام" لصعوبة وغرابة الفترة الأولى .. لكن الآن أشعر بشيء من الحزن أنها فترة مؤقتة وبدأت أشعر بالعد التنازلي من الآن على الرغم من أننا لا تزال في بداية الفصل
مش مصدقة عيوني 😬 فترة مؤقتة وعد تنازلي وشيء من الحزن ههههه🙈 تذكرت لما كان أي حد يحكيلك هانت شو كنتي تفكري 🙈🙈 هههههه، بس أنا جداً سعيدة إنه المشاعر تبدلت 😬😬
حذفشفتي بالله إسلام! :)) مين كان يصدق...؟! الحمد الله زبط أتخطى دراما المرحلة الأولى هاهاها .. انت يلي كاشفتيني p:
حذفلسا كنت بفكر بموضوع الكنكنة اليوم! ههه اشتقنالك روان!! ما احلى الغرفة! صار شعورها الشعور الرواني!^^ أعتقد من النصائح الجيدة أن تتذكري دائما ان هذه اللحظات و الايام مؤقتة. و قبل ما تحسي ستكوني بالبيت مع اهلك و عائلتك. و تتذكري أيام الدراسة في الخارج بحنية و ربما تتمنين لو أنك جربتي تجربة او رحلة معينة. تخيلي أنك تملكين آلة الزمن و قد عدتي الآن للندن! استمتعي بكل لحظة! :))))
ردحذففرح انا مشتاقة بالأكتر!
حذفنصيحتك هي النصيحة الذهيبة على الإطلاق على فكرة!! :)
أصلاً بلشت أحزن انه فعلاً هاي تجربة نسبياً قصيرة وانه الوقت بيركض
في كتير أشياء للاستكشاف وأحاديث مثرية مع ناس مثيرين للاهتمام وأماكن للزيارة .. جد مرات بحس انه الموضوع سباق مع الزمن (لانه في ضغط دراسة كمان ..) بس بتصدقي حتى ضغط الدراسة "أحياناً" الواحد بيقدر يستمتع فيه
كلام حلو وجميل ومرتب وملهم لابعد الحدود،، والله شتقنالك:)
ردحذفشكراً عطر! سعيدة انه عجبك صديقتي
حذفأنا والله كلي أشواق وحنين برضه
تدوينة رهيبة يا روان :)
ردحذفضربت عكذا وتر عندنا كما هو واضح
رقم واحد = مهم أكيد أكيد
2 = لا للحيوانات!! ولا النباتات ولا الدلافين كمان :) العزلة شويتين مش غلط
3 = نم نم نمممممم
4 = راجع 3 أعلاه! *الله يسامحك عصورة البيريز المشكلة* :( ههههه
5 = بس بالبلدان اللي بتحترم الإنسان. ولن أزيد!
6 = بالأول كنت هيك بس البيتوتياتية طغت وبشدة (وهو خطأ، بعرف)
الكنكنة = جد ضحكت بالمناسبة :]
هاهاهاها .. والله هيثم انت من الأشخاص يلي ممكن يتواصلوا مع هاي الأشياء :)
حذفتعليق رقم ٣ : هاهاهاها ^.^
تعليق رقم ٥: غصة في القلب :(
بانتظار تدويناتك صحيح ..
أظن هلا تأملات غير آملة رح تشهد نقلة :) توثيق لمرحلة جديدة..؟ (نو بريشر*)
و الله يا روانو اكثر ما يشعرني بالكنكنة هو قراءة مدونتك..تعطيني شعور بالدفء و كاني اجلس مع اعز الناس على قلبي..تدوينة تمسني شخصيا و اختيار مصطلح كنكنة في التدوينة معبر جدا جدا..
ردحذفميس قلوب حب عابرة للقارات والبحار 3> 3>
حذف
ردحذفاشتقتلك روان و لكتاباتك و كلامك الجميل
شكراً يا سالي :* زمان عنك
حذفيا رب تكون كل أمورك تمام
مرحبا، انا اتابعك على انستغرام من زمان زماااان و مع انني نظرت الى مدوناتك من قبل و لكن اليوم وجدت لها مكان في القلب،، شعرت بانني انا التي تكتبين عنها �� انا مغتربة جديدة و كل هذه التحديات و التجارب مررت بها بالخروج منها ممكن ببعض خيبات و لكن الاهم انه كسر حاجز رهبة الغربة في عيني
ردحذفشكرا لكِ ��
شكراً الك على تعليقك اللطيف يا ديما :) وأتشرف بمتابعتك على انستجرام وهون بالمدونة
حذفسعيدة جداً إنه هاي التدوينة عجبتك ويا رب الله يهون عليك غربتك ويلهمك الخير وتلاقي مساحتك الخاصة بمكان سكنك الجديد ^.^
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف