هوس التواصل


تجمعنا الحياة أحياناً بأشخاص نتعرف عليهم في مواقف غير مخطط لها، ومن مختلف الجنسيات والخلفيات، بعضهم مثير للاهتمام ويثير فينا الفضول لمعرفة أكثر عن عملهم وأفكارهم وكيف ينظرون للحياة، وبعضهم ملهمٌ بشكل أو بآخر، وآخرون مرّارو طريق، يظهرون في الحياة ويعبرون دون أن يتركوا فينا أي أثر يُذكر.
 في كثير من الأحيان أُسأل إن كان لدي حساب على الفيسبوك فأجيب بالنفي، فتظهر على معظهم علامات خيبة الأمل المشوبة بالدهشة وغالباً ما يكون السؤال التلقائي الذي يطرح بشكل شبه أوتوماتيكي: “وكيف سنتواصل معك؟”

“نتواصل”...؟ ما هو التواصل؟ عرف التواصل؟ وما هي مدة ذلك “التواصل”..؟

هل سيكون مجرد عبارات لبقة مثل سعدت بالتعرف عليكِ البارحة وبعدها كل يذهب في حال سبيله؟ أم سيكون لأن هناك صور جماعية مفتعلة تريد الحصول على نسخة منها؟ ألا تظن أن كثيراً من تلك الصور الجماعية تظهر شيئاً من الود المزيف والابتسامات اللحظية التي لم تلحق بعد أن تطبع في الروح؟ لماذا تتوق للحصول على نسخة منها؟

بعيداً عن المونولج الداخلي الشرس أرد في معظم الأحيان ب: “حسناً .. إليكم بريدي الإلكتروني فأنا أتفقده باستمرار.” فيأتي الجواب: 
“لا للمدى البعيد ..”

للمدى البعيد؟ هل لذلك اللقاء العابر القدرة على صنع علاقة مهنية أو صداقة طويلة الأمد!
شخصياً؛ أرى أن المسألة سيكولوجياً كالآتي: أنت تود أن تزيد عدد “أصدقائك” على حسابك في الفيسبوك واحداً، وكم ستبدو مطلعاً ومنفتحاً عندما يكون ذلك “الصديق” الجديد أو تلك “الصديقة” الجديدة من جنسية أخرى، ستبدو عميقاً وذا تجارب غنية.
هذا لا يمنع أن تكون قد أعجبت به بصدق لدرجة ما، لكن بعد فترة من ذلك اللقاء فإن الإعجاب إما أنه سيُمحى بفعل الزمن أو أنك ستتحول إلى متعقّبٍ متخفٍ، لن يخطر على بال “صديقك” أنك تحدق بملابسه، وتتعقب الآن أصدقائه وتحشر أنفك في التعليقات التي حصل عليها. لا يا “صديقي”، لا تسيء فهمي، أعلم أنك لست مريضاً نفسياً، وأنت “لا تفتح حساب الفيسبوك الخاص بك إلا نادراً” ، وعلى العكس، فأنت تستخدمه فقط للاطلاع والثقافة ومعرفة فعاليات البلد أو التواصل مع أقاربك في الخارج.  هذا كله مسلّم به، فأنت جزء من مجتمع الفيسبوك المثالي غير المدمن الذي يستخدم مواقع “التواصل” الاجتماعي بوعي والذي يتمتع بدرجة عالية من السعادة والرضى عن حياته.

لكن الموضوع يخصني أنا، فأنا طرف في تلك العلاقة التي تطلبها، نسيت؟ :)
ماذا لو أني مصابة باضطراب اجتماعي يجعلني أحافظ على خصوصتي ويمنعني من مشاركة موقعي حيث أكون، وما تناولته على طعام الغداء وعن الأشخاص الذين أقضي وقتي معهم. المشكلة بي أنا أعرف فأنا أحب أن أختار بعناية الأشخاص الذين أشارك معهم أحداث يومي والأفكار التي تجول في رأسي وصوري الشخصية التي أكره أن آخذها وأستخدمها بشكل توثيقي لتثبت لأمي وعمتي وجدتي أني لم أفقد شيئاً من الوزن وأني أتمتع بصحة جيدة.
رجاء اعذرني فأنا إلى الآن لم أتدرب على اتخاذ وضعية التصوير الأنسب لي، ربما لم أرتب أولوياتي بالشكل المناسب، فأنا لا أجد الوقت لأحدق بالمرآة لساعات وأحرك رقبتي يمنة وشمالاً، وأرفع ذقني بزاوية ٤٥ درجة إلى الأعلى أو إلى الأسفل حتى أعرف إن كان نصفي الأيمن أجمل من نصفي الأيسر أو بالعكس!

أنصحك أن تفقد الأمل بإقناعي بعمل حساب على الفيسبوك، وأن توفر الوعظ والارشاد عن الاستخدام الأمثل التي تقوم به، فأفكاري الغريبة متغلغلة لا أعرف لماذا، فهي ببساطة تقول لي: ليس عليك أن تثبتي أي شيء لأي أحد.
أفكاري تلك توفر لي الكثير من راحة البال والتركيز على عيش الحياة بدلاً من توثيقها.

ادعُ لي بالهداية، حتى ألحق بالركب المتواصلين اجتماعياً. فأنا فتاة قديمة الطراز لا تزال تؤمن بالتواصل البريدي :)




هناك 3 تعليقات:

  1. ههههههه روان مبدئيا اللي طلب منك تعملي Facebook كره حاله والدنيا وتمنى تنشق الأرض وتبلعه ضحكتيني كتير يا قديمة الطراز اللي لسى مش قادرة تحدد اي نصف من الوجه هو الاجمل

    ردحذف
  2. ههههههه روان مبدئيا اللي طلب منك تعملي Facebook كره حاله والدنيا وتمنى تنشق الأرض وتبلعه ضحكتيني كتير يا قديمة الطراز اللي لسى مش قادرة تحدد اي نصف من الوجه هو الاجمل

    ردحذف
    الردود
    1. هاها .. انا عارفة انه العيار حامي بس كويس في عائق لغة .. اكتر واحد كان مُصرّ أعمل فيسبوك كان باكستاني .. بس ما تخافي كنت أضل ابتسم هاي التدوينة مونولوج داخلي :)

      حذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...