بعد أسابيع عديدة من الانهماك في الأعمال والواجبات والتحضيرات لمعرض نون وعرس صديقتي المقربة وغيرها من الأحداث، كان أقصى طموحي قضاء بضعة أيام هادئة في المنزل، حتى أستعيد توازني وأتمكن من فعل بعض الأنشطة للاسترخاء كمشاهدة فيلم، وقراءة كتاب والنوم لساعات كافية.
لا أذكر المرة الأخيرة التي شاهدت فيها فيلماً، كان ذلك من ... بضعة أشهر!؟ في العادة لا تستهويني الأفلام الأمريكية أجد نفسي أميل أكثر للسينما الأجنبية، على الرغم من أنها حظوظ، وليس بالضرورة أن كل تجاربي مع الأفلام الأجنبية جيدة لكنها على الأقل مختلفة وتكون في معظم الأحيان غير متوقعة ولا تروج - بطريقة مباشرة أو غير مباشرة - لثقافة استهلاكية امبرالية أمقتها.
ربما لا تكون السينما التركية دوماً هي الحل - قياساً على المسلسلات التي غزت الفضائيات العربية - لكنني وفّقت صدفة بفيلم جميل ومُلهم.
يتناول الفيلم قصة "إيلا"، التي ولدت لا تسمع ولا ترى بداية خمسينات القرن الماضي في عائلة ميسورة وأستاذها "ماهر" الذي دخل حياتها في طفولتها وأشرف على تعديل سلوكها وتعليمها ورافقها حتى دخلت الجامعة.
الفيلم مقتبس من قصة حقيقة، والفتاة تذكرنا بهيلين كيلر، لكن ما لفت انتباهي أكثر وكان له تأثير أكبر هو شخصية الأستاذ. كان لديه رسالة وصبر وإيمان بقدرات "إيلا" وحارب والدها ليمنعه من إدخالها مستشفى للأمراض العقلية. بدأ معها من الصفر وعلمها لغة الإشارة باللمس كونها لا ترى.
كان أكبر دافع للأستاذ ماهر ألا يتكرر ما حصل مع أخته في الماضي مع "إيلا"، لأن أخته كانت هي الأخرى لا تسمع ولا ترى لكنها وضعت في المكان غير المناسب و "ذبلت" على حد تعبيره وتوفيت.
ربما لهذا السبب وجدت الفيلم مؤثراً على أكثر من صعيد، مثابرة الفتاة وإصرار الأم وصبر الأستاذ وكونه صاحب رسالة؛ فقد أثر في حياة فتاة ذكية وكان سبباً في أنها درست ونحجت واستمد ذلك من تجربته القاسية مع أخته.
مصدر الصورة |
لقد ترك الفيلم عدة تساؤلات بالنسبة إلي. كيف يمكن لنا أن نؤثر في حياة غيرنا من الأفراد المميزين انطلاقاً مما نراه امتحاناً أو ابتلاء في حياتنا؟
"مميزين" .. "مختلفين ومميزين"!
في الفيلم رفض الأستاذ ماهر أن ينظر ل"إيلا" على أنها فتاة باحتياجات خاصة، أنها "متخلفة" عن غيرها. لم يكن ظرفها الخاص يتيح لها ألا تكون منضبطة وقوية ومثابرة. في بداية الفيلم نرى إصراره على أن تتحلى باللياقة وآداب المائدة كغيرها، وفي الجامعة كان يؤنبها على بطء طباعتها على آلة الطباعة بأحرف بيرل. كان دوماً يتحداها ويرفض أن يساعدها على النهوض إن تعثرت ووقعت، كان عليها أن تنهض بنفسها. والجميل أنها استطاعت أن تنجز كل ذلك، لأنها لم تكن أقل ولم يكن يسمح لأحد أن ينظر إليها على أنها كذلك.
مصدر الصورة |
ربما يبدو الكلام النظري سهلاً، لكن التزاماً من هذا النوع هو التزامٌ مدى الحياة، لا يوجد فيه إجازة أو راحة، سيكون صعباً ومرهقاً في أحيان كثيرة، وسيتطلب طول نفس واحتفاء بالفشل قبل النجاح (كما بالفيلم).
أنصحكم بمشاهدة الفيلم، هناك نسخة مترجمة إلى اللغة العربية على اليوتيوب. وإن تمكنتم من مشاهدته أحب أن أسمع (أو بالأحرى "أقرأ" :)) آرائكم وانطباعاتكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق