ما تعلمته هذا الرمضان


كما ذكرت في تدوينة سابقة، كان هذا رمضاني الأول بعيداً عن عمان والأهل والأصدقاء. وكما هو متوقع، كان مختلفاً جداً ومميزاً، فرصة مواتية لزيارة المساجد الموجودة في لندن، وسماع الأذان وإقامة الصلاة والصلاة في جماعة.


كما كان حدثاً اجتماعياً ظريفاً شعرت أنه ألّف بين قلوب الجالية المسلمة وجمع شملها، خصوصاً وأنه - للأمانة العلمية وبعيداً عن إضفاء رومانسية غير واقعية - لم يكن سهلاً. بعد ١٩ ساعة من الصيام (بين الثانية والنصف فجراً حتى التاسعة والثلث مساء)، لا يوجد أكثر ما هو بؤساً ووحدة من تناول الإفطار بشكل فردي.
الحمد لله كان هناك الكثير من الفعاليات لدرجة أني لم أتناول الإفطار في سكني طوال الشهر الفضيل. تكاتف الطلاب والصديقات والمقيمون والمغتربون واحتوى الجميع الآخر بشكل عائلي وحميم.



أستطيع أن أقول أنه بعد انتهاء الشهر الفضيل خرجت ببعض الأفكار والدروس المستفادة:

- معظم المراتب العالية والتجارب المميزة (روحانياً وأكاديمياً ومهنياً) لا تدرك إلا بالطريقة الصعبة:
القيم المكتسبة على صعيد شخصي في الغربة تصقل جزءاً من شخصياتنا لا نعي له إلا بعد حين. هناك أمور عقائدية على مستوى رفيع تميل لأن تنضج بعد زخم من الفراغ والهدوء والتفكر. من أكثر ما يحضرني "الأنس بالله". يقول أحد الصالحين: "توكل على الله حتى يكون جلسيك وأنيسك وموضع شكواك". وقال ذو النون: "من علامات المحبين لله أن لا يأنسوا بسواه، ولا يستوحشوا معه." جاء هذا الرمضان غير التقليدي - من غير العائلة (من غير شر!)، وفي بلاد غير مسلمة - ليذكرني بقواعد أساسية غفلت عنها. الصورة الكبيرة راحت عن بالي وانشغلت بتفاصيل يومية أنستني السبب الأول والهدف الأساسي من وجودي في الحياة.


- أهمية التكتلات المجتمعية:
وبهذا أقصد المجموعات التي تتكاتف في ما بينها لوجود ما هو مشترك على مستوع مجتمعي. أفراد تلك المجتمعات ليسوا متطابقين أو صوراً مستنسخة عن بعضهم، على العكس! متنوعون ومختلفون بشكل غني ومثري، ويتفاعلون فيما بينهم بطريقة صحية لأن ما يهمهم ليس الفروقات فيما بينهم، لكن ما يجمعهم من القيم المشتركة.

فهمت أكثر ماذا تعني كلمة "أمة". أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ابتسامات مرهقة بعد يوم طويل توزع التمور عند غروب الشمس...
"السلام عليكم" أو كلمات مثل "برذر" أو "سيستر" من أشخاص نصادفهم بشكل عابر في كل مكان، لا نعرفهم لكنهم ليسوا غرباء في قلوبنا...
طعام مشترك على سفرة واحدة، وآمين موحدة في صلاة الجماعة، ورسائل قصيرة تطمئن علينا بعد أحداث محزنة واعتداءات تكتسح "الأخبار العاجلة"...


تقول صديقتي رزان أن الحياة مليئة بهدايا من الله، والعاقل من إذا عرضت عليه هدية من الله، رأها وأخذها. تلك الهدايا لها أشكال متعددة، قد تبدو واضحة للعيان، براقة وجميلة، وقد تكون مستترة ومتنكرة في صورة غربة أو كربة. قد يراها البعض امتحاناً، لكن إن فتحنا قلوبنا سندرك أن في ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة، تجارب متنوعة مليئة بالدروس إن اتعظنا منها نخرج أناس أكثر قوة وحكمة وفهماً لأنفسنا ولمن حولنا وللحياة.




هناك 7 تعليقات:

  1. الأنس بالله :)
    أعطم راحة للمغتربين ����


    قبج

    ردحذف
    الردود
    1. ونعم بالله ..
      أظن ميسلون انت أول من عرفني على هذا الموضوع في أحد أحاديثنا العميقة بالزمانات :)

      حذف
  2. الله يعيد علينا رمضان أعواماً عديدة، آمين

    درس الصبر بنواح وزوايا جديدى مهم بكل تأكيد.
    درس الزمن أو الوقت كمان!

    على سياق منفصل.. شو أخبار أطايب العبد من شتى الثقافات. .لازم نعرف :-D

    وسؤال بريء: الشقرا هديك مخطوبة؟ لأ مش هاي..الثانية..واللا أقلك، التنتين..مش غلط.
    *الله يستر.يا رب سلم سلم*

    ردحذف
    الردود
    1. آمين .. الله يعيد رمضان علينا ويعينا على صيام وقيام الشهر

      أحلى اشي بتعدد الثقافات الأكل! :) والله الواحد بتتوسع مداركه بس يكتشف عادات الشعوب وأطباقهم

      أما بالنسبة للسؤال البريء فأنا قلبي مع آلاء!
      ثم انه في ملاحظة على الهامش: له يا هيثم .. الشقار؟ تبدو لي المعايير mainstream and eurocentric :P

      حذف
  3. روان دروسك المستفادة جدا حقيقية وصحيحة 100% كل شي محرز بيجي بعد تعب ولا هوه محرز عشانه بتعب مش عارفه المهم والتكتلات المجتمعية مع اني كارهة اعترف وكنت رح افضل فكرة اعيش عكوكب لحالي بس عنجد بنحتاح لبعض بالاخر زي اغنيتك المصرية وبحتاجلك وتحتاجلي.....

    ردحذف
    الردود
    1. والله يا هناء انت يلي فاهمتيني .. هاي الأغنية المصرية تحديداً كانت شغالة دائماً بدماغي طول الفترة الماضية.
      صراحة أنا بعد هاي السنة الدراسية أكاديمياً وعلمياً وعلى صعيد شخصي أدركت أهمية التكتلات المجتمعية، احنا ثقافتنا جوهرها قائم على هاد الاشي، حرام انه نخسره واحنا عم نحاول "نطور" ونتحول لمجتمعات فردية قائمة على الاستهلاك والأنانية .. وشرطك بدون وجود قوة شرائية! اقتصادنا تعبان وآكل هوا، والفجوة بين الطبقات الاجتماعية عم بتزيد .. والله انا حاسة بخطر
      راسمالنا الحقيقي هو احنا "ملناش غير بعض" عن جد.

      بالفترة الماضية ما تتخيلي أهمية البرذرز والسيسترز والناس يلي بتحاول تكون لطيفة عشان تغطي على العنصريين والاسلاموفوبيا ..

      حذف
  4. عقد نقص بعيد عنك
    :P
    ---------------
    إحنا كلنا واحد بالآخر .. شئنا أم أبينا عفكرة بس المكابرة والعناد بينسينا هالشي

    ردحذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...