فقد



لن أستخدم كلمة "محظوظة" لأنه ليس للحظ أي علاقة في تقدير الله وقدره، لكن يمكن القول أن الله أنعم علي بحيث أخّر اختباري بفقدان عزيز حتى الأسبوع الماضي.






































في رواية غريبة وعميقة لسيلفيا بلاث عبارة لم أستطع نسيانها تقول فيها: "كيف تسألني عن الحياة وأنا لم أقع في الحب أو أنجب طفلاً أو أشاهد شخصاُ يفارق الحياة؟"

عندما قرأت الاقتباس لأول مرة شعرت بشيء من الحزن لأنني لم أتعرض ولا لتجربة مما سبق، أحسست بأني غير مخولة للتنظير والتكلم بفلسفية عن الحياة. لم يخطر ببالي أني سأدرك الأخيرة أولاً في الوقت الذي كان فيه تركيزي منصباً على الحب والإنجاب!

تجربة مختلفة بالفعل أن يفارق شخصٌ يعني لك الكثير هذا العالم، فنحن نتأثر كثيراً لرؤية ضحايا الحروب والأطفال والشهداء وسماع قصص المرضى والذين يتعرضون لحوادث مفاجئة. لكن – سبحان الله - فقدان شخص قريب على مرآى منك، يجلس في مكان محدد في غرفة الجلوس وله كرسي في موقع يعرفه الجميع ضمناً على مائدة الطعام، تقتبس مصطلحاته في حواراتك مع عائلتك، وتذكرك به أماكنٌ في حيّك كان يتردد عليها و تربطك به مئات الذكريات المشتركة .. كل تلك التفاصيل الصغيرة تجعل للموضوع بُعداً دراماتيكياً لم تتخيل قط أنك ستعبئ به وتفكر به بتلك العاطفية.





مهما فكرت في موعد تلقيك للخبر فإنك ستتفاجأ عند سماعه. لن تتحكم بردة فعلك وستفاجئ نفسك وسيفاجئك كل من حولك في تعاطيهم مع الحزن، فكل له طريقته الخاصة التي لم يكن يعرفها هو نفسه قبل هذا الحدث الجلل. إنه المحك الحقيقي الذي ترى في الكثير من العواطف ورباطة الجأش ودموع أشخاص لم ترهم يبكون في حياتك.
 لحظة من لحظات الحقيقة التي تلتف فيها العائلة ويترك فيها الأهل كل شيء ويترابطون وجدانياً دون أي تواصل لفظي مباشر ويحضنون بعضهم عن بُعد بنظرات حنونة وابتسامات مكسورة دون الحاجة لأي كلمات.
لن تستطيع التكلم أصلاً، فبعد أن تتمالك نفسك تشعر بمسؤولية أن تكون قوياً لتشد أزر من حولك. في نفس الوقت تشعر بأنك ملجوم وغير قادر على الكلام، وكأن اللوزتين كرتان حديدتان في الحلق ما إن فتحت فمك للكلام سيغافلونك ويقعون محدثين رجّة في صوتك مسببين انهمار الدموع من عينيك دون استئذان.

على الرغم من كل التعب والإرهاق الناتج عن المناسبة والطقوس الإجتماعية المرتبطة بها والعادات والتقاليد الخاصة ببيت العزاء، لكن في باطنها رحمة كبيرة لأهل المتوفى. استقبال الضيوف من أفراد العائلة الضيقة والممتدة، والأصدقاء والجيران و زملاء العمل قد يكون منهكاً على مدى ثلاثة أيام لكن فيه بالفعل "تعزية".
استشعرت لماذا نسميه بيت أجرٍ؛ فمرور كل شخص علينا كان له أثر كبير، وجبر للخاطر وتعزية لنا. وإن كان هناك درس مستفاد فهو الذهاب شخصياً لتعزية كل من يفقد عزيزاً حتى ولو مروراً سريعاً وبعض النظر عن رسمية العلاقة أو حداثة عهدها.

الحزن ليس كالفرح، نحن عندما نكون حزينين نكون أقل مناعة لمقاومة المزيد من الأحزان العابرة، وأكثر تعطشاً لشيء من التعاطف والمواساة أو ليد تربت على أكتافنا أو لسؤال صادق إن كنا نحتاج شيئاً ممن حولنا.
لم أكن أتخيل أن الرسائل الإلكترونية من زملائي الجدد والرسائل القصيرة من صديقاتي المغتربات ستدفئ قلبي بذلك الشكل. بالفعل صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لا تحقّرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق."

رحم الله موتانا وموتاكم وغفر لهم وأسكنهم فسيح جناته، وأعاننا على برهم والدعاء لهم.



هناك تعليقان (2):

  1. الله يرحمه رحمة واسعة يا روان

    عظم الله أجركم والله يصبركم

    الموت حق ولكنه صعب!

    أتذكر إحدى التدوينتين اللتين أوردتهما، أتذكرها جيدًا


    الله يرحمه ويجعله من أهل الجنة

    ردحذف
    الردود
    1. شكر الله سعيكم .. شكراً يا هيثم الله يسلمك
      آه والله صدقت؛ حق ولكن صعب
      رحم الله موتانا وموتاكم وأعاننا على الدعاء لهم و برهم
      هم السابقون ونحن اللاحقون

      حذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...