هواتف ذكية جعلت حياتنا غبية


لاحظت أنني وبدون وعي مني أصبحت مدمنة على تفقد هاتفي الخلوي. فأصبح أحد أهم أهدافي الشخصية  لعام ٢٠١٥ هو استعمال هاتفي بشكل معتدل ومتوازن وألا يكون هو الملاذ الأول في متناول اليد الذي يملأ دقائق الانتظار أو الأوقات الميتة من اليوم.

يتفق الجميع على أن ظاهرة الإدمان على الهواتف "الذكية" - إن صح التعبير - ظاهرة كارثية. ربما بدأت مع الشباب والجامعيين والمراهقين لكنها تمتد الآن بشكل مقلق إلى الكهول والفئات العمرية الأكبر سناً أيضاً. ففي أي لقاء لأصدقاء أو أقارب أو زملاء عمل، نلاحظ أن الوقت الذي يحدق فيه الناس في هواتفهم أكثر من الوقت الذي يقومون فيه باتصال بصري مع من يجلسون معهم.

تشير الدراسات إلى أن الشخص العادي يتفقد هاتفه بمعدل ١١٠ مرات يومياً، وعلى الرغم من أن الرقم يبدو كبيراً إلا أنه يكون أكبر في بعض الأوقات والمواسم وقد يصل إلى ١٥٠ مرة! أكثر الناس يتفقدون هواتفهم ما بين الساعة ٥ مساء وحتى الثامنة وهو وقت الذروة، ففي المساء قد ينظر الشخص العادي إلى هاتفه كل ٦ ثوانٍ!
قد تبدو الأرقام صادمة للوهلة الأولى لكن المثير للشفقة أنها بعد القليل من التفكير تبدو منطقية.

ألا يقولون أن الخطوة الأولى لمعالجة أي مشكلة هي الاعتراف بها؟ حسناً لننطلق من فرضية أننا نستخدم هواتفنا الخلوية بإفراط وينبغي أن نفعل شيئاً بشأن هذه المشكلة أسرع ما يمكن. فقضاء الكثير من الوقت على تطبيقات الهواتف خيار خاطئ نظراً لأنه ليس الطريقة المثلى لقضاء وقت الفراغ، ولأنه يستنزف من اليوم عدداً مبالغاً من الدقائق دون أي جدوى حقيقية. قد يندفع أحدهم بحماسة سائلاً: "ما مشكلة الهواتف؟". ما من مشكلة في تفقد الهاتف عدة مرات في اليوم وقضاء ما يقارب نصف ساعة أو حتى ساعة يومياً على ما يطلق عليه مجازاً "تواصلاً اجتماعياً" لكن ينبغي أن لا تكون المدة أطول لعدد من الأسباب.

كبرى المشاكل هي أن تفقد الهاتف بكثرة شكل من أشكال الانتحار البطيء على أكثر من صعيد، صحياً الثقل الذي يضعه التحديق بالهاتف لفترات طويلة على العمود الفقري كثقل أربع كرات بولينغ، أو حمل ٦٠ باوند أي ما يعادل ٢٧ كيلوغرام. هذا بالطبع غير أثر الاشعاعات وازدياد معدلات الأرق وانخفاض جودة النوم وأثر التعرض الكثيف للموجات الكهرومغناطيسية.

وبما أننا في بداية السنة، وهناك حماسة كبيرة لكتابة القوائم لاكتساب عادات حميدة والتخلص من عادات سيئة؛ لا يبدو الهاتف الرفيق الصحيح لدعم ذلك. فالتمتع بحياة متوازنة ومريحة ومرضية وسعيدة يتناسب عكسياً مع كم الوقت الذي تمضيه على مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الخلوية (هل تذكرون تدوينة صديقتي هناء عن الفيسبوك؟). ما يدعم هذه الفرضية براهين مدروسة تبين أن تطبيقات التواصل الاجتماعي وغيرها يمنح معظم البشر القليل من الرضى، وعلى الرغم من أن الكثير من الناس يستخدمون هواتفهم بإفراط إلا  أنهم يفعلون ذلك لأنها وسيلة ترفيه سهلة المنال. فالنشاطات الأكثر إرضاء تستلزم اندفاعاً وإبداعاً أكثر مما تتطلب جهداً قلة من الناس على استعداد لبذله.

تسلبنا الهواتف وقتاً يمكن تمضيته عادة في لقاءات شخصية، مع بشر حقيقيين، ما يزيد من سعادتنا إلى حد بعيد. والمؤلم أحياناً أنه حتى إن بذلنا المجهود وقمنا بترتيب الموعد، أو قررنا "الجلوس مع عائلاتنا" مساءً، يتدنى مستوى ذلك الوقت النوعي مع من نحب وكل منا ملتصق بهاتفه ولا يجعله يغيب عن ناظره.
الأسبوع الماضي التقطت الصور التالية لعائلة لطيفة ذاهبة في نزهة مع الجد والجدة في حدائق الحسين. راقبت الأب الذي كان ينوي اللعب مع ابنه وكرة القدم أمامه، كان مستغرقاً في التحديق في هاتفه (لاحظوا الشاب الآخر الموجود في الخلفية على اليسار أيضاً!). بقي على تلك الوضيعة حوالي ١٢ دقيقة كانت كافية لأن أبدل عدستي، وألتقط الصورة. وتلك المدة كانت كفيلة بفقد اهتمام الطفل اللعب مع والده والعزوف عن انتظاره حتى يفرغ من هاتفه ليلعب معه على المسطح الأخضر في يوم عطلة مشمس. أمر باعث على الحزن، أليس كذلك؟!



تسبب تلك الأجهزة اللعينة شيئاً من الإدمان شئنا أم أبينا. لكن ذلك لا يمنع من الاستيقاظ من هذا السبات الجماعي و التحلي بالوعي الكافي لمحاربة ذلك المد الجائر والتشوه الاجتماعي الذي يصيبنا كباراً وصغاراً. استثمار الوقت الخلاق والبناء لوقتك سيقلص من حاجتك إلى تفقد هاتفك عشرات المرات يومياً. يقول دون ميغيل : "يتعلق النشاط بعيش حياتك بكل تفاصيلها، أما الكسل فهو طريقتنا لتجاهل الحياة، والكسل هو التحديق في الهواتف لساعات يومياً لسنوات لأنك خائف من أن تكون حياً وأن تجازف بالتعبير عن نفسك."

أريد أن أختم هذه التدوينة بمبادرة لطيفة من أحد المقاهي في عمان، "رومي" في اللويبدة. إذا أردت البحث عن شبكة الانترنت الخاصة بالمقهى من الإعدادات في هاتفك تجد اقتباس أينشتاين الشهير: "أخاف من اليوم الذي تتفوق فيه التكنولوجيا على التفاعل البشري، حينها سيمتلك العالم جيلاً من الحمقى."
وتجد أيضاً عبارة لطيفة: "نحن ندعم التفاعل البشري" :)


كل عام وأنتم أكثر تحرراً من التكنولوجيا، وأكثر تفاعلاً مع من تحبون وأكثر نجاحاً في تحقيق أحلامكم!

هناك 6 تعليقات:

  1. تدوينة موفقة يا روان!، وبالفعل الموضوع يحتاج تفكر و محاسبة شخصية، والأرقام والدراسات فعلا صادمة!
    أظن آن قرارك قديما بإزالة حزمة الإنترنت على هاتفك خطوة فعالة و كبيرة!
    و تفرعا عن مساوئ إستخدام الهاتف بنهم...تأتي مشاكل أخرى إجتماعية عديدة جعلت من الناس أشباحا ذات أوجه عاكسة للضوء.

    خطر في بالي فكرة إختيار إقتباسات أو صور معبرة عن هذا الموضوع كتذكرة يتم إختيارها بالإعدادات كخلفية الشاشة الرئيسية بحيث تكون أول ما يراه الشخص عند ضغطه ليكتب كلمة السر لإستخدام هاتفه! :)

    ردحذف
    الردود
    1. نور انت أم الأفكار! الفكرة رائعة :)) لازم نتحدث أكثر عن الموضوع بس نلتقي إن شاء الله

      حذف
  2. أخ يا روان عالوجع تماما...
    المضحك في الموضوع، والاشي الي انا بعمله الصراحه انه لما اكون قاعدة مع العائلة وماسكة التلفون، اول ما اتركه بصير أراقب الي حولي واقول لحالي شوف كيف كل واحد ماسك تلفونه،،ما علينا

    ردحذف
    الردود
    1. كلنا نقع بنفس الفخ يا عطر :|
      شكراً للمرور والتعليق :)

      حذف
  3. شكرا روان على تلك التدوينة الجميلة.. بالفعل لقد أصبح تفقد الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي نوعا من الإدمان..أنا شخصيا أحاول التخلص منه. ولكني أتابع مدونتك بين الحين والأخر عزيزتي من خلال هاتفي الذكي..أليس ذلك في حد ذاته مفارقة؟

    ردحذف
    الردود
    1. الشكر الجزيل لاهتمامك وتعليقك :) وبالفعل هناك الكثير من المفارقات كالتي تفضلتِ بها.
      أظن أن الموضوع موضوع توازن .. أدعو الله أن يعيننا وإياكم على التخلص من إدمان العصر :)

      حذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...