متحف البراءة


ذكرت صديقتي بمحض الصدفة أن أورهان باموق قام بإنشاء متحف في منطقة "شُكرجوما" عن كتابه "متحف البراءة" عندما أخبرتها أني أنوي أن أزور المنطقة ذلك اليوم. استرعت انتباهي فكرة إنشاء متحف لكتاب، على الرغم من أني لم أقرأ أي عمل للكاتب التركي أورهان باموق ولست من المتحمسين له على الرغم من حصوله على جائزة نوبل للآداب عام 2006.

تدور أحداث الرواية - المقتبسة عن قصة حقيقية-  بين 1974 حتى مطلع القرن الحالي، وتتحدث عن طبيعة الحياة في اسطنبول في تلك الفترة من خلال كمال الذي يتنمي لعائلة ثرية، وفوسون الفتاة الجميلة التي تربطه بها صلة قرابة من جهة أمه التي تنحدر من عائلة بسيطة.
يبدو أن كمال أحب فوسون حباً غير عادي، يبدو خيالياً وتشعر في بعض الأحيان أنه تحول إلى هوس مجنون، فقد وقع في غرامها قبل خطوبته من فتاة من وسطه الاجتماعي بأسبوعين لكنها في الفترة نفسها ارتبط بشاب تقدم لخطبتها هي الأخرى، وهكذا تزوج كل منهما بشخص آخر، لكن كمال لم يتخطى حبه لها! فقد بقي يزور فوسون في منزل أهلها لمدة 9 سنوات بصفة عائلية. لكنه - ومن شده هوسه بها - كان يحتفظ بكل شيء تلمسه!! كل ما تلمسه فوسون يحتفظ به كمال وصنع منه باموق متحفاً في منزل فوسون ذاته!! جنون ... أعلم ذلك!

لكنه غريب، وملهم إلى حد ما. أحبها فوق كل شيء في العالم، لكنه اكتشف ذلك متأخراً. شاب تركي ثري معاصر وفتاة فقيرة بعيدة المنال.



عندما دخلت إلى المتحف وبعد دفع الرسوم، رأيت واجهة عجيبة. 4213 من أعقاب السجائر! 4213 عقب سيجارة دخنتها فوسون أو من كان موجود أثناء زيارات كمال الكثيرة للمنزل البسيط! 4213 موثقة بتواريخ ويمكن قراءة ملخص لذلك اليوم ك : "كنا نشاهد التلفاز" أو "كان العم طارق (والد فوسون) في المستشفى".
واجهة صادمة بذلك القدر من الجنون (والنيكوتين) جعلتني مفنجرة العينين وفمي مفتوح من الدهشة لعدة دقائق.



الطابق الأول مخصص للفصول من 1-50 في القصة، وكنت قد طلبت الدليل الصوتي للمتحف خصوصاً وأنني لم أقرأ الكتاب. وقد كان الدليل الصوتي بصوت الكاتب "أورهان باموق" نفسه. تم اختيار الأصوات في خلفية الحديث بعناية بالغة، كأصوات الباخرة أو الطيور أو دقات الساعة أو الموسيقى. لمسات بسيطة لكنها ذكية أعطتني تجربة فريدة وكأنني سافرت بالزمن إلى تلك الفترة. مع الإضاءة الخافتة والصناديق المقسمة حسب الفصول التي يتمعن بها المشاهد وهو يسمع اقتباسات من الكتاب و ذكريات الرواي "كمال" أو انطباعات الكاتب "باموق" في الهدوء المطبق للمكان.


مقتنيات عجيبة، كالسكين الذي ذبحت فيه أضحية في عيد الأضحى، أو زجاجات للمشروب الغازي الذي كان مشهوراً في تلك الفترة، أو السلة التي أخذوها معهم عندما ذهبت العائلة في نزهة في أحد الأيام، أو بسكويت البوظة الذي قضمت منه فوسون (!!)


صندوقي المفضل كان التالي، اليوم الذي حصلت فيه فوسون على رخصة لقيادة السيارة. الصندوق يحتوي على الفستان الذي ارتده فوسون في ذلك اليوم، رخصة قيادتها، وصور للسيارات في تلك الفترة.


الغريب أن فوسون توفيت في حادث سيارة وحسب ما فهمت ماتت دون أن تعرف عشق  كمال لها.
قصة حب حزينة وجميلة والمتحف بانوراما للحياة في اسطنبول تمكنك من عيش تجربة غامضة لأنك تشعر بأن فوسون وكمال بشر حقيقيون عاشوا في زمن سابق استطعت أنت أن "تعيش" معهم لوهلة من الزمن، وتلك هي أغراضهم أمامك .. مرئية وملموسة.


استغرق العمل على القصة العديد من السنوات، وفي السدة مسودات باموق التي كان يكتبها أثناء جلساته مع كمال ورسومات تجريبية لشكل الصناديق وتوزيعها في المتحف الذي تم افتتاحه في 2012 والذي كان ينوي عمله باموق منذ كتابته الرواية في بداية التسعينات.


ترجم الكتاب ل 40 لغة، ولا أدري إن كانت "متحف البراءة" رواية غير بريئة في النهاية لكني قطعاً أنوي قراءتها.

هناك 5 تعليقات:

  1. فناء العمر لأجل شخص فكرة مرعبة بالنسبة لي ، هذا و ان كانت تعلم بكل هذا الشغف ،، اما و ان لم تكن تعلم هي بمقدار شغفه لها فأنا آسف على عمره الذي قضاه لأجل شخص لا من اجل فكرة او منظومة افكار او قيم او حتى قيمة واحدة تتعدى اهتمام صديقنا بجمع اعقاب سجائر .

    ردحذف
  2. Cigarettes butts ! I will never pay that museum to get in :D

    I never read anything for Pamuk except "snow" and I kinda` liked it

    maybe u can review that novel 4 us soon and tell us if it is worth reading :)

    it sounds like a mad story indeed!


    ردحذف
  3. by the way;

    was this:

    تحدي الأسبوع: انظر للسماء أكثر من النظر لهاتفك

    a success?
    :)

    ردحذف
    الردود
    1. Funny you asked! :)
      في تدوينة قادمة عن هاد الموضوع ..

      بس صراحة الموضوع أصعب مما يبدو عليه للوهلة الأولى -_-

      حذف
  4. المكان...الوصف...الصور وكون القصة من وحي الواقع تركني صافنة بعد قراءة المدونة وفي حالة غريبة!
    بدون شك صار عندي كم من التساؤل لمعرفة المزيد وقراءة السيرة الذاتية/الرواية

    ولكن تصويرك ومشاركتك لهذا المكان قصة بحد ذاتها يا روان!...رائعة
    لدي شعور رح نطرق آكتر عن هادي المدونة بأحد لقائتنا القادمة إن شاء الله :)

    ردحذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...