العباقرة يصنعون ولا يولدون


ما الذي يطلق شرارة العبقري في داخلنا؟ ما الذي يجعل المرء عبقرياً في إدارة الأموال أو موهوباً في عزف آلة موسيقية أو لاعباً كرة قدم استثنائي؟



في كتابه الأخير: "العبقري الذي بداخلنا" يفند ديفيد شينك – وهو كاتب ومراسل صحفي للعديد من المطبوعات والجرائد والمواقع ولديه عدة كتب ضمن قائمة الأعلى مبيعاً – من خلاله وبشكل علمي وشخصي أيضاً الفكرة التي نعتقد فيها جميعاً بأن الناس يولدون أذكياء أو موهوبين أو بقدرات بدنية عالية، ولكن الحقيقة التي يطرحها شينك أننا جميعاً نحمل في جيناتنا احتمالات وإمكانيات كثيرة وهي أعظم بكثير مما نظن أو يمكن أن نتخيل في حياتنا.
ويقول إنه في القرن الأخير، كانت جدلية "الطبيعة مقابل التربية" تُغفل أن المهارات الإنسانية هي نتاج غامض متفاعل من الجينات والبيئة وقليلون مباركون منا هم من يستطيعون الضغط على حدود هذه الإمكانيات واستغلالها جميعاً ليصبحوا عباقرة. ومن دون استثناء، العباقرة يصنعون ولا يولدون! فهم أناس استطاعوا صقل مهاراتهم بإخلاص متناهٍ وإرادة وعزيمة.






قد تقول إن هذا ليس ممكناً، فأمثال يويوما وبيتهوفن وموتسارت استطاعوا أن يجمعوا حولهم جمهوراً من سن الرابعة وإن هناك من يولدون بميزاث خاصة. ولكن شينك لا يوافق على هذه المقولة ويقوم بدراسة كل حالة من حالات "الأطفال المعجزة" هذه على حدا، ويكتشف أن جميعهم – من دون استثناء – بدأوا تدريبات كثيرة مكثفة ومنظمة في سن مبكرة جداً.


والمحصلة: أن الموهبة عملية منهجية تفاعلية وليست مجرد كيان منفصل في مخ الإنسان. ولا يمكن لأحد أن يبلغ من العظمة على مستوى العالم إلا إذا كان لديه هذا المزيج من الجينات المحتملة ورغبة عميقة محركة وملزمة بالنجاح. 

يقول ديفيد شينك في حوار حول كتابه " العبقري بداخلنا جميعاً " والذي يهزّ أسطورة "الطفل المعجزة" من جذورها بل ويضع أمامنا حقائق أخرى جديدة تُطالب بوضع مفهوم جديد للذكاء، إن الضغط على ابنك ليصبح بطل العالم في الشطرنج في سن 11 سنة لن يجعله طفلاً سعيداً أو حتى ناجحاً على المدى الطويل. ويأمل شينك أن تصل هذه الرسالة إلى جميع الآباء والأمهات: إن تحقيق العظمة عملية منهجية تفاعلية على المدى البعيد، فلا تستعجل أو تشعر بأنك فشلت إذا ما لم يظهر طفلك في سن معينة تفوقاً ملحوظاً.

وشينك لا ينفي تماماً دور الجينات والقدرات الطبيعية كمكون من مكونات الذكاء الإنساني ولكنه يقول فقط إن هناك غُلواً في الاعتقاد بحجم مشاركتهم في الذكاء. فشيء معقد ومركب مثل العقل الإنساني لا يمكن إرجاعه فقط إلى العمليات متناهية الصغر داخل خلاياه. بل إنه يجد أن العمل الجاد والانضباط والتضحية بالذات تكاد تكون القالب الذي تبنى عليه قصص العبقرية.

الهدف الأساسي من الكتاب أنه لا يوجد حدود لما يمكن أن يحققه الإنسان وهو هدف ممتع ومثير، لأنه يمكن تطبيقه على أي شخص وفي أي سن.
وقد لا يعجب هذا الكتاب الكثيرين لأنه بالرغم من أن مؤلفه يضع نظريته الخاصة إلا أنه لا يحاول أن يجيب عن أسئلة المعارضين أو يفند أقوالهم أو يرد على نقدهم. فإذا كنت ترغب بقراءة كتاب يتناول موضوع الذكاء من جميع جوانبه فمن الأفضل قراءة كتب أخرى مثل كتاب هوارد جاردنر "الذكاء: وجهات نظر متعددة" أو الكتاب الصغير العبقري الذي ألفه كين ريتشاردسن  "صناعة الذكاء" والحق يقال أن كلا الكاتبين يذعنان لموقف شينك بشكل كبير.




المصدر: البيت العربي (ملحق صادر عن مجلة العربي الكويتية كان ملحقاً بالعدد 638 صفر 1433\ يناير 2012)  (بتصرف)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...