ذكريات في المدرج الروماني


هل تذكرون رحلتنا إلى وسط البلد، نسيت أن أخبركم أننا بدأنا رحلتنا في المدرج الروماني - محطة لا بد منها بالطبع - وتلك المحطة كانت لطيفة جدّاً، لم نكن وحدنا من نصنع ذكريات عذبة في يوم شتوي مشمس من شهر كانون الأول، بل كان هناك أسر يانعة وسياح مسنّين وشبان مختالون بشبابهم.






سيناريو مختلق:
الصور التالية كانت ملهمة جداً بحيث أوحت لي بالقصة القصيرة التالية التي هي من نسيج خيالي وفي حال وجود تشابه بين أبطال القصة وأشخاص واقعيين فإنه بمحض الصدفة:

الشمس ساطعة، إلا أن الطقس عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت الامتحانات النصفية بدا بارداً. أراد الأب أن يأخذ ولديه في نزهة خارج المنزل فترة الصباح ليريا الشمس ويتنشّقا هواءً منعشاً فيمنح أمهما فرصة لإنجاز بعضاً من أعمالها المنزلية التي لا تنتهي.
لطالما أشفق على طفولتهما المنقوصة؛ الشقة صغيرة، لا حديقة، لا حيوانات أليفة، بل حتى لا شرفة...



لم يدرك كم كان محظوظاً في طفولته حتى رأى ولديه معلّبين في الشقة؛ اتضّح أن القرية الصغيرة بجوّها الريفي الأليف زوّدته بسخاء بما لم تستطع المدينة أن تقدم لولديه، يسرح في سهولها من الصباح حتى غروب الشمس، يتأمل الطيور والنباتات والحشائش، يحيا الفصول في تعاقبها، الربيع ربيعاً بألوانه والصيف صيفاً يجهد فيه صرصار الليل عزفاً علّ إناثه تُقبل وتَقبل. كان الخريف فصله المفضل، فقد كان يترقب موسم قطاف الزيتون الذي يحلّ منتصف الخريف ويبقى ضيف القرى حتى أوائل الشتاء والذي كان يحمل له الكثير من الإثارة والحركة.

أخذ الأب ولديه إلى وسط البلد لزيارة المدرج الروماني، أدهشه دوماً هذا المكان بعظمته وضخامته حين كان يمرّ به فتىً صغيراً برفقة والده للتسوق من حين لآخر، وهاهو يبهر ولديه كما بهره من قبل.
أصرّ الصغير على الصعود لأعلى درجة في المدرج، ربما أراد أن يرى المدينة مما ظن أنه أعلى نقطة فيها، أن يعانقها ببصره فهذا إنجاز يمنحه فرصة للتباهي أمام أمه وأصدقائه في المدرسة.
لم يكن صعود تلك الدرجات المرتفعة بالأمر الهين، فحمل الأب ابنه الأصغر على ظهره وصعد عشرات الدرجات التاريخية بحرص شديد مشوب بالقلق؛ عين على الدرج وعين على طفله الأكبر الذي تسلق وراءه بحذر... شعور لذيذ؛ ولده متعلق بظهره والآخر وراءه ينظران إليه كأقوى وأعظم رجل في المدينة!" ترى، كم من الوقت سأبقى بطلهما القوي؟" سؤال متسلل يخالط نشوة الأبوة في الزمن الصعب.


هناك 5 تعليقات:

  1. الشمس ساطعة، إلا أن الطقس عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت الامتحانات النصفية بدا بارداً!. أراد الأب أن يأخذ ولديه(إلى أين؟) فترة الصباح ليريا الشمس ويتنشّقا هواءً منعشاً فيمنح أمهما فرصة لإنجاز بعضاً من أعمالها المنزلية التي لا تنتهي.
    لطالما أشفق على طفولتهما المنقوصة؛ الشقة صغيرة، لا حديقة، لا حيوانات أليفة، بل حتى لا شرفة...
    لم يدرك كم كان محظوظاً في طفولته حتى رأى ولديه معلّبين في الشقة؛ اتضّح أن القرية الصغيرة بجوّها الريفي الأليف زوّدته بسخاء بما لم تستطع المدينة أن تقدم لولديه( المدن الصغيرة يمكنها أن تقدم شيئاً من ذلك أيضاً)، يسرح في سهولها الممتدة( بعض القرى جبلية!) من الصباح حتى غروب الشمس، يتأمل الطيور والنباتات والحشائش، يحيا الفصول في تعاقبها، الربيع ربيعاً بألوانه الضاهجة(؟ أي دلالة تحمل هذه الصفة؟) والصيف صيفاً يجهد فيه صرصار الليل عزفاً علّ إناثه تُقبل وتَقبل، حتى أنه يشم نهاية الصيف في رائحة حصاد القمح النفّاثة( يحصد القمح في بلادنا مع احترار الطقس في أيار ويمتد حتى مطلع حزيران في المناطق المرتفعة). كانت بداية الخريف هي الفترة التي يفضل من السنة؛ فيها تتلون الأشجار وتتسابق الطيور لتأكل ما تبقى من الحبوب المتناثرة بعد حصاد القمح( انتهى الحصاد منذ زمن! ربما كان في موسم قطاف الزيتون الذي يحلّ منتصف الخريف ويبقى ضيف القرى حتى أوائل الشتاء الكثير من الإثارة والحركة ما يبقي طفلاً منشغلاً بخزن الذكريات) في الحقول الشاسعة قبل أن تهاجر هرباً من برد الشتاء.

    أخذ الأب ولديه إلى وسط البلد لزيارة المدرج الروماني، أدهشه دوماً هذا المكان بعظمته وضخامته حين كان يمرّ به فتىً صغيراً برفقة والده للتسوق من حين لآخر، وهاهو يبهر ولديه اللذين لم تتسع البهجة قلبهما( أيهما وعاء الآخر: البهجة وعاء قلبي الصغيرين، أم القلبين وعاء للبهجة؟ تشير الجملة على صياغتها الأصلية إلى أن البهجة هي الوعاء والقلبيان هما المحتوى! قد يقبل هذا في سياق رمزي لا يتسق هنا مع اللغة العامة للنص) لضخامته وعظمته.
    أصرّ الصغير على الصعود لأعلى درجة في المدرج، ربما أراد أن يرى المدينة مما ظن أنه أعلى نقطة فيها، أن يعانقها ببصره فهذا إنجاز يمنحه فرصة للتباهي أمام أمه وأصدقائه في المدرسة.
    لم يكن صعود تلك الدرجات المرتفعة بالأمر الهين، فحمل الأب ابنه الأصغر على ظهره وصعد عشرات الدرجات التاريخية بحرص شديد مشوب بالقلق؛ عين على الدرج وعين على طفله الأكبر الذي تسلق وراءه بحذر... شعور لذيذ؛ ولده متعلق بظهره والآخر وراءه ينظران إليه كأقوى وأعظم رجل في المدينة!" ترى، كم من الوقت سأبقى بطلهما القوي؟" سؤال متسلل يخالط نشوة الأبوة في الزمن الصعب.

    ردحذف
  2. يااااااه دي جميلة خالص...أصل ساعات يبقى بجد نفسي بابي ياخودني الحتت دي !!!!

    ردحذف
  3. لميس هانم :) شكراً جزيلاً لك. واعذري جهلي بالمواسم، قد يكون السبب في ذلك أني ابنة المدينة :|
    أُخِذَت ملاحظاتك القيمة بعين الاعتبار ؛) ومن الآن فصاعداً يبدو أني سأرسل لك المسودات للتدقيق قبل النشر :) :) شكراً مرة أخرى :*

    ردحذف
  4. حكاية مثالية لصورة جميلة جدا قرائتي لم تكن تفصيلية وتدقيقية مع ان قرائة كهذه(تبعت لميس) تدل على الاهتمام ومدى استحقاقها التوقف و التفكير .عليكي تقبل هذا الاطراء. والقصة بالنسبة لي بمثابة وقفة احترام ونظرة اعجاب لهذا الاب الجميل ....سافرح كثيرا بقرائة المزيد

    ردحذف
  5. روااااان💛، تدوينة أخرى فاتتني بأرشيف سلة رمان.
    #قلبي-الصغير #قصص-قصيرة-مع-روان

    تدوينة جميلة و نسيج سيناريو لطييييييييف 😌

    ردحذف

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...